آن الأوان لعودة العلاقات بين مصر وسورية

كتب د. جودة عبد الخالق: 

إن منطق الحساب الاستراتيجي وحركة التاريخ تفرض مراجعة جذرية لوضعية سورية في سياق علاقات مصر الخارجية. معلوم أن الرئيس الأسبق محمد مرسي كان قد أصدر قراراً بقطع علاقات مصر الدبلوماسية مع سورية في 2013، تمشياً مع قرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سورية في (بيت العرب). ومنذ ذلك الحين توارت مصر إلى خلفية المشهد في سورية، تاركة الساحة لدول غير عربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران وتركيا ولدول عربية أقل شأناً، بالذات دول الخليج النفطية مثل الملكة العربية السعودية وقطر. وهذا تراجع خطير في الدور المصري في المنطقة، بالذات في سورية، لأنه يتنافى مع منطق الحساب الاستراتيجي وحركة التاريخ. وفي تقديرنا إن هذا يحتاج إلى مراجعة وتصويب.

إن من يقلب صفحات التاريخ المصري يجد أن الاتجاه الاستراتيجي الشمالي كان دائماً حاضراً في تحديد مفهوم الأمن القومي المصري وفي مجال الممارسة والتطبيق. ومن يراجع خريطة مصر عبر العصور يلاحظ أنها تتمدد وتنكمش بالتوازي مع قوة الدولة المصرية وضعفها. وفي كل مراحل التمدد، كان الاتجاه الاستراتيجي الشمالي محور الارتكاز والاهتمام. على سبيل المثال لا الحصر، انظر إلى حملات رمسيس الثاني إلى بلاد الشام في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وانظر إلى فتوحات صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي. وانظر إلى فتوحات إبراهيم باشا في فلسطين وبلاد الشام في القرن التاسع عشر. لكن أكثر الأمثلة إلهاماً ستظل تجربة الوحدة المصرية السورية (1958-1961) ورفقة السلاح في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973.

إن توسيع وتدعيم شبكة علاقات مصر الإقليمية والدولية منذ 2014 أمر طيب وجهد محمود. ولا بد أن نثمن العودة القوية لمصر إلى إفريقيا بعد سنوات من الإهمال. فمن إفريقيا ينبع نهر النيل، شريان الحياة. صحيح أنه لايزال هناك الكثير ينتظر الإنجاز في ملف مياه النيل، لكن مصر حاضرة، وتسعى لإدارة هذا الملف الحساس بما يصون أمننا المائي والغذائي وبالتالي يحمي أمننا القومي. في المقابل، أرى أن التركيز في نطاق الوطن العربي على العلاقات مع دول الخليج، وإعلان أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري، يأتي على حساب وضع سورية في المكانة التي تستحقها في معادلة الأمن القومي المصري. وواقع الحال أن مصر هنا تتبع الآخرين بدلاً من أن تقودهم فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الملف السوري. ومن الخطأ أن نعطى للاعتبارات الاقتصادية الضيقة الأولوية على الحسابات الاستراتيجية الشاملة.

أعتقد من منظور الأمن القومي المصري والأمن العربي الحقيقي أن مصر بحاجة ملحة لإعادة علاقاتها مع سورية. إن سورية تنادي مصر. ومصر سوف تكسب كثيراً بالمعيار الاستراتيجي بإعادة علاقاتها مع سورية الشقيقة. أعرف جيداً أن مصر لم تنفض يدها تماماً من الملف السوري، وأنها تبذل جهوداً حثيثة، وبعيداً عن الإعلام، للحفاظ على كيان الدولة السورية. ولكن هذا لا يكفي. فعلى مصر أن تكون مبادئه بإعادة علاقتها مع سورية، وأن تدعو الجامعة العربية لفتح ذراعيها لاحتضان سورية لتعود فتشغل مقعدها الشاغر في الجامعة. ومن العجيب حقاً أن تكون سورية موجودة داخل منظمة الأمم المتحدة ومستبعدة في الوقت نفسه من جامعة الدول العربية. يجب أن نستوعب درس التاريخ: سورية هي الرديف الاستراتيجي لمصر، ومصر ومعها سورية تشكل محور الارتكاز للأمن القومي العربي. ما رأي القراء الأعزاء؟ فلنفتح حواراً جاداً حول هذا الموضوع المصيري.

حكمة اليوم:

(من قصيدة لأحمد شوقي)

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي

جَلالُ الرُّزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي

إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَداً وَخَفقُ

وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي

جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

العدد 1104 - 24/4/2024