قراءة في نتائج الانتخابات الأوربية..  هل تكرر أوربا مأساة الحرب العالمية الثانية؟

طلال الإمام_ السويد: 

أسفرت الانتخابات للبرلمان الأوربي، التي جرت مؤخراً في جميع دول الاتحاد، عن إحداث هزة قوية بين الأحزاب التقليدية يميناً ويساراً، وكذلك في المجتمع. سوف أتوقف عند نتائج هذه الانتخابات في السويد لأنها تشبه بشكل من الأشكال بقية البلدان. أظهرت النتائج حصول الحزب العنصري المتطرف المعادي للأجانب (حزب ديمقراطيو السويد) على الترتيب الثالث والأقرب للثاني (حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على 16.8%، وحزب المحافظين اليميني على 15.4% جاء بعده الحزب العنصري ديمقراطيو السويد 11.4%، حزب البيئة حصل على 10.8% وحزب اليسار (الشيوعي سابقاً) على 4.1%).

لماذا جاءت النتائج هكذا؟ ما هو سبب صعود القوى الفاشية والعنصرية في السويد كما في أوربا؟ هل تعني هذه النتائج أن الناس يؤيدون الأحزاب العنصرية عن قناعة إيديولوجية تامة؟

إذا كان الجواب: لا، فلماذا صوّتوا لها؟

أسئلة كثيرة تشغل بال المهتمين في أوربا وخارجها على حدّ سواء. أن سيطرة اليمين المتطرف والفاشي سيكون لها انعكاسات على مجمل سياسات الاتحاد الأوربي الداخلية والخارجية، ومن هنا منبع القلق.

كثرت التحليلات حول أسبابها، ويبدو أن من الصعب حصرها في سبب واحد كما يحاول البعض الإيحاء بذلك. هناك من يختصر السبب بسياسة الهجرة وأفعال بعض المهاجرين، إضافة إلى فشل سياسة الاندماج في تلك البلدان، ملقياً اللوم على الأجانب فقط. أعتقد أن المهاجرين وسياسة الهجرة هي واحدة من الأسباب، لكنها ليست السبب الرئيسي لصعود الفاشية الجديدة. الأسباب الحقيقة برأينا تعود إلى أن الاحزاب التقليدية الرئيسية، يمينية كانت أو اشتراكية ديمقراطية، التي حكمت طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى حين سقوط المنظومة الاشتراكية، هذه الأحزاب استنفدت فرص وجودها ولم تعد قادرة على تلبية مطالب الناس. تطلق تلك الأحزاب عشية كل حملة انتخابية جملةً من الوعود لا تحققها عندما تصل إلى السلطة. كما تعاني هذه الأحزاب من تسرّب أعضائها وتفقد جمهورها شيئاً فشيئاً. هذا الوضع كان فرصة جيدة للقوى الشعبوية واليمينيّة الفاشية للصعود، مستغلة استياء الناس وتراجع أوضاعهم المعيشية، متمثّلة في البطالة وتعاظم الهوة الطبقية، واختلال المعادلة بين الدخل والنفقات، والتضخم، وأخيراً وليس آخراً سياسة الخصخصة والانقضاض على المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة بفضل نضالاتها بعد الحرب العالمية الثانية. إن سيطرة بيوتات المال والنفط والأسلحة على سياسات تلك البلدان الداخلية والخارجية أدت إلى خلخلة المجتمعات وإحداث ثغرات تتسع، فيدخل من خلالها اليميني الفاشي كمنقذ. تماماً كما حدث عشية الحرب العالمية الثانية حين استغلت الفاشية والنازية الأوضاع الاقتصادية لتصل إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية. وكلنا شهود على الثمن الباهظ الذي دفعته البشرية بسبب تلك الحرب. وهذه النزعة لرأس المال المتوحش مستمرة في تأجيج النزاعات والحروب المحلية والإقليمية والتوترات الدولية. هناك من يقول إنه ليس كل من صوت للأحزاب الفاشية والعنصرية مؤمناً بأفكارها وإيديولوجيتها، وإن تصويته لها كان بمثابة عقوبة للأحزاب التقليدية التي تتراجع ولا تحقق وعودها. وهناك سبب آخر لا يقل أهمية عما ذكر أعلاه، وهو تراجع بعض قوى مختلف أطياف اليسار عن دورها المنوط بها تاريخياً، وأحيانا خيانة هذا الدور، بل وانتقالها إلى الضفة الأخرى. قوى اليسار مشتتة سواء على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو الدولي. ولم تتمكن من الإجابة عن الكثير من الاسئلة التي تضعها الحياة أمامها شعوبها. الحديث يدور بالدرجة الأولى عمّن خان تاريخه أو باعه، عمّن يحاول تحميل الماركسية مسؤولية هذا التراجع أو صعود القوى الفاشية.

نعم، هناك توازن عالمي جديد متعدد الأقطاب يولد وإن بصعوبة، وهناك احزاب وقوى شيوعية ويسارية تقدمية تحاول بكل جدية ونشاط استعادة الشارع والجماهير اليها، عبر تجديد خطابها. وهذه القوى يزداد ثقلها يوماً بعد يوم. ربما هي بحاجة إلى كومنترن جديد عصري، مركز يوحّد جهودها ونشاطها؟ إن برلماناً أوربياً باكثرية مقاعد لليمين المتطرف والفاشي يضع العالم كله امام أخطار جدية، لأن هذه القوى الصاعدة لن تتوانى عن إشعال حروب ونزاعات على أسس دينية او إثنية. إنه زلزال خطير.

 فهل يفعلها اليسار ويوحّد صفوفه لمواجهة هذه التحديات؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024