أسوأ الصفقات.. (صفقة القرن)

صفوان داؤد: 

منذ ما يقارب عامين، تتطور مسألة حل القضية الفلسطينية وفق المنظور الأمريكي عبر ما أطلقت عليه واشنطن (صفقة القرن)، ويزعم الأمريكيون أن هذه الصفقة هي الحل الأمثل لنهاية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهل هذا صحيح؟

إن كل المؤشرات تشير عكس ذلك، فقد قال جاريد كوشنر (مستشار البيت الأبيض) في مقابلة صحفية منذ بضعة أيام إن (الخطة الأمريكية ستسلط الضوء على معادلة توفير الأمن للإسرائيليين وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، مع التركيز بشكل أقل على (التطلعات السياسية لهم). من هنا نستشف ماهي استراتيجية الولايات المتحدة لحل هذه القضية في هذه الصفقة. ومن الواضح أن كوشنر بطريقة ما وضع إطار عمل جديداً لحل الصراع، وفق المنظور الأمريكي، لم يحصل منذ الخطة الفاشلة للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان عام 1982، عندما قدّمت الإدارة الأمريكية وقتذاك أفكارها الخاصة للحل الدائم للنزاع، بعيداً عن محادثات السلام الدائمة. ويعود الميل الإسرائيلي الرسمي لقبول هذه الصفقة إلى أنه بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وفشل الاتفاق النوويّ الإيراني، فضلاً عن الاعتراف الفردي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل، تعتقد الحكومة الإسرائيلية أنه ربما تقبل الإدارة الأمريكية ضم إسرائيل لأجزاء رئيسية من أراضي الضّفة الغربيّة، وتعمل على إسكات معارضة كبيرة قد تنشأ في العالم العربي.

كما هو ملاحظ، هناك رفض شعبي وسياسي فلسطيني مطلق لهذه الصفقة، ومنذ أشهر، اجتمع مسؤولون من السلطة مراراً في واشنطن مع عدد من المؤسسات والشخصيات الأمريكية، في محاولة منهم لمنع تمرير الصفقة بشكلها المطروح حالياً. إنّ أي اقتراح تقوده واشنطن للسلام لابد أن يُبنى على ما هو قائم، مع بذل جهد حيادي ومتوازن لضمان الوضع الهشّ أصلاً القائم حالياً. وتلتزم السلطة الفلسطينية بأسلوبها النمطي في التعامل مع هذا الموضوع المتمثل في التأكيد على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي لا تقدم ولا تؤخر، والسعي عبر الجامعة العربية للإدانة والرفض الذي هو أيضاً لا معنى له. ولابد بدلاً من ذلك من أن تناقش السلطة الفلسطينية خطة سياسية واضحة المعالم، بعد ذلك يمكن الحديث عن الحوافز الاقتصادية التي يبدو أن كوشنر يعتمد عليها كثيراً في إقناع الفلسطينيين بقبول الخطة.

عدد كبير من مراكز الدراسات ومسؤولي المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة، منها عدد من المؤسسات اليهودية، هي ضد هذه الصفقة، ويعتقدون أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية هو اندفاع غير محسوب المخاطر، وينمّ عن جهل تاريخي وسياسي في فهم مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. منها على سبيل المثال مؤسسة (جي ستريت) المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، التي قال رئيسها جيرمي بن عامي إن (خطة ترامب كارثية وتقوض أي امل بالسلام). وطبعاً منظور اللوبي الاسرائيلي الذي تُشكِل هذه المؤسسة أحد مكوناته مختلف هنا، إذ ترى أن خطط ضم المستوطنات هو بداية قتل للمشروع الصهيوني وقد تمهّد للدولة الواحدة. ويقود هذا المنظور أيضاً (منتدى السياسة الاسرائيلي) الذي تأسس بُعيد اتفاق اوسلو للترويج لحل الدولتين. ومنذ عامين وهو ينشر دراسات وبحوثاً ويقوم بورش عمل ويستضيف خبراء في هذا الشأن لنقض خطة كوشنر. وقال روبرت ساتولف في (أمريكان إنترست) إن رؤية كوشنر وزملائه كمطوّرين يُطبّقون دروساً في الشرق الأوسط من سوق العقارات في نيويورك أكثر من كونهم دبلوماسيين يحاولون حل نزاع دولي شائك طويل الأمد. يبدو الأمر كما لو أنهم ينظرون إلى عملية السلام على أنها المعادل الوظيفي لتحويل مبنى سكني ذي شقق محددة الإيجار في وسط مانهاتن، إلى شقق فاخرة).

هذا صحيح، فالخطة تفتقر للكثير من المعايير والمصداقية. ويمكن القول إن صفقة القرن هي أسوأ الصفقات، ويكفي أن نذكر أن كامل البنود والصفحات المكتوبة للخطة لا تتضمن أيّ كلمة أو جملة أو إشارة إلى عبارة دولة فلسطين.

العدد 1102 - 03/4/2024