دراما 2019.. بين الترجمان والأمان صانع محترف

سليمان أمين:

انتهى الموسم الدرامي هذا العام محمّلاً بكمّ كبير من النقد والآراء المختلفة حول الأعمال الدرامية، فقد حمل معه تنوعاً مختلفاً في الدراما، لكن لم يكن هذا الموسم موفّقاً لصانعيه مع عودة الدراما السورية إلى الواجهة بقليل من الأعمال الخالصة التي لم يستخدم فيها التلوين العربي الذي فرض نفسه خلال سنوات على سوق الإنتاج، وأكمل هذا الموسم أيضاً بكم من الأعمال العربية  التي تصدرت أغلب الشاشات بفقدان البريق الأخاذ التي تمتعت به السنوات الماضية بعد مضي عدة حلقات منها، فتصدرت بعض الأعمال السورية الخالصة قائمة المشاهدة الجماهيرية كمسلسل عندما تشيخ الذئاب ومسافة أمان.

 

الكم على حساب النوع

كان نتاج الصناعة الدرامية هذا العام بالنسبة لمؤسسة الإنتاج سوريانا التابعة لوزارة الإعلام السورية كبيراً ومتنوعاً بالنسبة للأعوام الماضية، ولكن لم يكن صحياً بالنسبة للأعوام الماضية، فقد كانت الأعمال ضعيفة جداً وهزيلة مقارنة بما أنتج سابقاً من أعمال جيدة، ويعلم البعض أن المؤسسة انطلقت بإدراتها الجديدة العام الماضي بمشروع خبز الحياة الذي هدفه تشغيل أكبر عدد ممكن من الموهوبين، ولكن هذه الخطوة ارتدت بشكل سلبي، فلم يتميز أي عمل هذا العام للمؤسسة باستثناء ترجمان الأشواق الذي أنتج من عامين رغم حذف الكثير من مشاهده واستبدالها بمشاهد أخرى، فأفرجت عنه الإدارة الجديدة هذا العام بعد صراع إداري دام لسنتين بين الإدارة السابقة والإدارة الحالية. وبالمختصر يمكن القول إن نتاج المؤسسة جاء كماً على حساب النوع، فالعمل الجيد يحتاج إلى نص جيد وممثلين جيدين، أي يحتاج إلى قوة مالية لإنتاجه ليكون بالمستوى الدرامي الجيد، وكان الأفضل للمؤسسة أن تنتج عملاً أو عملين بمستوى يجعلها في المكانة التي عودتنا عليها، لا إنتاج عشرة أعمال بمستوى ضعيف يجعلها تتراجع للوراء، وخصوصاً أن المؤسسة تعاني منذ سنوات من ضعف التسويق بسبب مقاطعة القنوات العربية لإنتاجاتها.

 

دراما فاخرة

تميز هذا العام بولادة نوع جديد من الدراما الذي يصنف تحت مسمى فانتازيا الخيال العلمي بمسلسل صانع الأحلام، المأخوذ عن رواية قصة حلم لهاني نقشبندي، حوّلها لسيناريو تلفزيوني بشار عباس محافظاً على أسس الرواية وقوامها، وأكمل جماليتها المخرج محمد عبد العزيز بأسلوبه الإخراجي الفاخر الذي خرج عن الدراما العربية التقليدية الذي تعودنا عليها لسنوات، فقد جاء صانع الأحلام بطريقة درامية جديدة ومختلفة، نحن بحاجة إليها اليوم لتحديث درامانا والخروج عن المألوف، كما نحن بحاجة إلى أعمال الخيال العملي اليوم، فهي أفضل وأكثر جودة من الفانتازيا التاريخية التي غرقت بها شاشاتنا وهي تقود المجتمع للهلاك بسبب الفقر الثقافي الذي تحمله، وكم التخلف الكبير كنشر ثقافة القتل والشعوذة وغيرها من العادات الرديئة التي تبنى عليه بكتابتها، وما أكثرها هذا العام.

 

دراما متكاملة العناصر

مسافة أمان بتوقيع الليث حجو، الذي كتبته إيمان السعيد وأنتجته شركة إيمار الشام، كان العمل الاجتماعي السوري الخالص لهذا العام، وتميز ببنائه الدرامي السليم واستيفائه للعناصر الدرامية الأخرى، وقد سلط العمل الضوء على قضايا اجتماعية وفردية لمجتمع يعيش فوضى بعد تلاشي الحرب، وتناول قصص شخصيات مختلفة من شرائح مجتمعية متنوعة، كما كان أداء الممثلين أكثر من رائع، إضافة إلى إخراج الليث الذي عودنا لسنوات على أنه رقم صعب بما يختاره ليقدمه للمشاهد في الموسم الرمضاني.

كما جاء مسلسل عندما تشيخ الذئاب، المأخوذ عن رواية للكاتب جمال ناجي، حوّلها إلى نص تلفزيوني حازم سليمان، وأخرجها عامر فهد، كعمل جيد هذا العام رغم الضعف الواضح في الإخراج، ولكنه تميز بأداء بعض الممثلين الأكثر من رائع، كسلوم حداد وسمر سامي وهيا مرعشلي وغيرهم، إضافة إلى قوة السيناريو وجمالية الرواية.

 

كوميديا رديئة

لم تكن الأعمال الكوميدية موفقة هذا العام أبداً، فمنها ما ذهب إلى الابتذال الواضح والتهريج  بغياب الفكرة والغرض منها، ومنها ما ذهب إلى غياب المعايير الخاصة بصناعة الكوميديا، فقد افتقرت كوميديا هذا العام لوجود النص الجيد المبني على فكرة وهدف ما، كما لاحظنا غياب وجوه الكوميديا المعروفين مثل سامية الجزائري وشكران مرتجى وحسام تحسين بك وغيرهم، وقد كانت سرعة تنفيذ بعض الأعمال لتلتحق بالموسم الدرامي كارثياً عليها، كمسلسل بقعة ضوء الذي ينتظره مشاهدوه كل عام، والذي لم يكن بالمستوى الدرامي المعروف، فكانت لوحاته معظمها تفتقد للفكرة المكتملة الناضجة، فتحولت إلى تهريج يفتقد للأسس الكوميدية التي يجب أن يبنى عليها هذا النوع من الأعمال، أما كونتاك الذي أنتجته شركة إيمار الشام فقد جاء على عكس المتوقع من ركاكة النص المقدم من ناحية والأفكار المطروحة من ناحية أخرى والتي باتت بالية وقديمة وطرحتها الدراما الكوميدية النقدية لسنوات مرت، فلم تحمل أي تجديد في الأسلوب وطريقة الطرح، ويأتي مسلسل كرم منجل مخيّب أيضاً لمحبي الدراما الكوميدية، فلم يحمل ضمن حلقاته أي فكرة أو هدف درامي، ففكرته تلخصت بزواج المختار من عدة نساء لكي يرزق بولد ذكر، فخلفته كلها بنات، والسؤال المهم الذي يُطرح: أين كتاب الكوميديا السورية التي لمعت لسنوات عديدة بتنوعها وغناها وطرحها للمواضيع بجرأة كبيرة، تترك بعد إضحاكنا للحظات دمعة تأخذنا للتفكير أكثر؟ أين ضيعة ضايعة وعيلة خمس نجوم وجميل وهناء؟

 

سينما دراما

لا يمكن أن نتجاهل التحفة الدرامية السينمائية ترجمان الأشواق بتوقيع المخرج محمد عبد العزيز، الذي نقل السينما إلى بيوت المشاهدين خلال رمضان، رغم الحدث الوحيد الذي يدور حوله المسلسل وهو خطف آنا ابنة نجيب، لكن النص حمل في مشاهده رسائل كثيرة ومتعددة، فيكفي أن نفهم معاني الصورة التي تحاكينا في كل مشهد، ويكفي أن نفهم رمزية كل فكرة وردت، وجملة جميلة لحفيدها عندما باعت البيت الذي يمثل الشام بتاريخه: (وعدني بس تكبر رح ترجعه للبيت) هذه الجملة تكفي لفهم ما أراده المخرج من نصه، مع أن الكثير من المشاهد قد حُذفت، وقد ورد بعضها في برومو العام الماضي الذي مازال على اليوتيوب حتى اليوم، وقد لاقى المسلسل في بداية عرضه ملل المشاهدين بأنه عكس توقعاتهم، ولكن يمكننا القول إن ترجمان العزيز هو عمل نخبوي صنع لنخبة تتذوق الجمال الفني وتفهم مفردات رموزه.

العدد 1105 - 01/5/2024