البعبع الأخضر وجيوب الفقراء

ديمة حسن:
لم يمض على الأزمة السورية وقت كثير حتى أصبح ارتفاع سعر الدولار المتزايد مقابل الليرة السورية حديث الشارع السوري بصغاره وكباره، وبات هذا الموضوع شماعة كل من أراد رفع أسعار منتجاته وبضائعه، بدءاً من بائع الفجل وصولاً إلى باقي السلع الأساسية أو الكمالية، سواء كانت هذه المنتجات محلية أو مستوردة.
ويوماً بعد يوم بدأت تظهر الآثار الكارثية للموضوع، إذ انعكست على جميع نواحي الحياة، وبات المواطن السوري بين سندان دخله ومطرقة ارتفاع الدولار وتداعياته.
ومع فقدان معظم المواطنين لمصادر رزقهم، وانخفاض دخل من بقي، وارتفاع معدلات الإنفاق على السلع الأساسية نظراً لضعف القدرة الشرائية لليرة السورية، وارتفاع معدلات التضخم. وبعد سلسلة من القرارات والإجراءات الاقتصادية غير الرشيدة والمجحفة من قبل الحكومة الحالية وسابقاتها بحق المواطنين، تفاقم معدل الفقر ليصل حسب كثير من الدراسات إلى حوالي 80% من إجمالي عدد السكان، مع ترافق ذلك بتجاهل أو تراخٍ حكومي في عملية ضبط الأسعار. فمع كل إشاعة أو زيادة فعلية ضئيلة لا تذكر في الأجور، تقفز أسعار السلع بشكل خيالي دون حسيب او رقيب، وكأن جيوب المفقرين باتت مناجم ذهب إثر هذه الزيادة!
وبعد كل ما ذكر صمد المواطن السوري الأسطوري وتلظى بشظف العيش على امتداد سنوات الأزمة، دون أن يجد من يكترث لوضعه المعيشي وطرقه في تدبير احتياجاته الأساسية للبقاء والصمود الذي يتغنى به المسؤولون بإطلالاتهم البهية وتصريحاتهم المتتابعة.
وبعد مئات الدراسات التي أجريت لتقدير احتياجات الأسرة السورية والتي أظهرت أنها تحتاج إلى أضعاف مضاعفة مما تحصله من دخل لتعيش عيشة كريمة بالحد الأدنى، نرى أن الحكومات أدارت الأذن الطرشاء والعين العمياء ولم تسمع ولم تر أيا من هذه الدراسات، كما غضت السمع والبصر عن حالات الفساد المستشري على جميع المستويات، بالرغم من تبنيها لمبادئ (الإصلاح الإداري) و (مكافحة الفساد) حسب ما تزعم.
وبناء على تذرُّع الحكومة بالأوضاع العسكرية المأزومة للبلاد، كانت آمال المواطنين بتحسين أوضاعهم المعيشية تزداد مع كل تقدم يحرزه جيشنا الباسل.
والآن ورغم الاستقرار الحالي لأوضاع البلاد وتحرير غالبية الأراضي السورية، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع المعيشي المزري للفئات المفقرة، بل ازداد الوضع سوءاً، فقد عاود الدولار التحليق فحلّقت معه الأسعار، في ظل تحكم تجار الأزمة بأسعار الصرف، وتمدد السوق السوداء ليس على القطع الأجنبي فقط، وإنما توسعت لتشمل المازوت والغاز ومن يدري ماذا سيلحق بهم من سلع، في ظل السياسات الاقتصادية الواضحة الرامية لدعم طبقة محددة من التجار ومستفيدي الحرب على حساب الفئة التي تدفع كل يوم ثمن صمودها وتمسّكها بالأرض.
إن الاستمرار بالنهج الاقتصادي الحالي سيكون له عواقب وخيمة، إن لم يُتَدارَك بإقامة مشاريع إنتاجية حقيقة للقطاع العام الصناعي، ودعم القطاع الزراعي، وضبط الأسواق بما يحقق أرباحاً جيدة يمكن تجييرها لزيادة أجور العاملين وتحسين الوضع المعيشي لغالبية الشعب السوري، علها تكون بادرة جيدة لإعادة الثقة المفقودة بين المواطنين والحكومة البعيدة عنهم.
إن تفاصيل مرحلة إعادة الإعمار التي يتشدق بها المسؤولون وأصحاب القرار لن تجدي نفعاً دون إعمار المواطن.. إعمار روحه المعنوية وجسده النحيل.. فإعمار السوريين المسحوقين المهمشين المفقرين هو الذي سيعمر سورية الحضارية ذات السيادة المستقلة.

العدد 1104 - 24/4/2024