التطور التكنولوجي والتواصل الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي

قمر مناصفي:

بماذا تفكّر الآن؟ ماذا يدور في ذهنك؟ ماهي حالتك الآن؟ ماهي تغريدتك الجديدة؟ أسئلة افتراضية يطرحها موقع التواصل الاجتماعي تتعقب المتصفّح وتتبع حاله، ومع التطور التكنولوجي وظهور الجيل الجديد من أجهزة الهواتف المحمولة (الأندرويد) التي تمتاز بخصائص وميزات عديدة تمكّن مستخدميها من الدخول إلى شبكة الانترنت بكل يسر وسهولة، والتواصل مع الأصدقاء الافتراضيين سواء عرفهم المستخدم واقعياً أم اقترحهم عليه هذا الموقع. هذا العالم الافتراضي الذي يجمع شمل سكان الكرة الأرضية وكأنهم في قريةٍ صغيرة ويجعل البعيد قريباً والغريب صديقاً ويُمكّن من تبادل المعلومات والرسائل النصية والمصوّرة وتسجيلات الفيديو.

الغاية من إنشاء هذه المواقع:

في بداية إنشاء هذه المواقع كان الهدف بقاء اتصال فئة من الطلاب خلال فترة استراحتهم، ثم اتسعت دائرتها لتشمل فئات متعددة وشرائح مختلفة من المجتمع وتكون لها أهدافها المتنوعة.

إن كان هدفك البحث عن عمل فأنشئ حساباً على Linked in ، وإن كان هدفك الإعلان فيمكنك عن طريق الفيس بوك أو تويتر أو غيره ، ويمكنك أن تدعو مجموعة الأصدقاء إلى عيد ميلادك أو مناسبة أو حدث.

إن كنتَ مصوراً فيمكنك التواصل عبر فليكر  Flickrلتبادل الخبرات والمعلومات، وحتى إن كان هدفك التسلية فقط يمكنك ذلك.

أبرز المحطات التلفزيونية والقنوات الإذاعية وحتى الصحف اليومية لها حساباتها الخاصة على هذه المواقع، لتمكين جمهورها من متابعة أبرز الأخبار وآخر المستجدات العالمية والمحلية وعلى الصعد كافة.

 

ميزات التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي

لعل أهم ميزة تُقدمها هذه المواقع هي المجانية، فلا يترتب على من يود الاشتراك أي تبعات مادية، كما أن سهولة الاستخدام مكّنت كل من يملك معرفةً بسيطة باستخدام الهاتف المحمول أو الحاسب من الوصول السريع والتواصل مع من يُحب، كما ألغت هذه المواقع الفوارق الطبقية، فبإمكان أي شخص في أي عمر أو تصنيف اجتماعي إنشاء حساب على أيٍّ موقع من هذه المواقع وإضافة الأصدقاء والتواصل معهم في أي بقعة من بقاع الأرض، كما يمكنه الانضمام إلى أي مجموعة بحسب الاهتمام أو الاختصاص، كما لا يتطلب الدخول إلى هذه المواقع ترك شبكة النت مفتوحة، فيكفي ترك رسالة تصل إلى المستقبل، ويمكنه فتحها في الوقت الذي يُناسبه.

 

الإيجابيات والسلبيات لهذه المواقع

بالرغم من أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت الإنسان كثيراً ولبّت الكثير من احتياجاته لدرجة أصبحت فيه رمزاً للإنسان المتحضر، إلا أنها سلاح ذو حدين إن لم يكن هناك ضبطٌ ورقابة لاستخدام هذه المواقع.

لقد قدمت مواقع التواصل الاجتماعي خدماتها في العديد من المجالات التعليمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فمن الناحية التعليمية تسعى أغلب الدول المتطورة اليوم لاستثمار التطور التكنولوجي لمصلحة التعليم الإلكتروني أو التدريب عبر النت، فظهور ما يُسمى الجيل الثاني Web2) وشبكات التواصل الاجتماعي رفع العزلة عن التعليم الإلكتروني ومكّن المدّرب أو المدرس من التواصل مع طلابه، ومكّن الطلاب من التواصل فيما بينهم لتبادل الأفكار والآراء.

وقد زاد إقبال المؤسسات التعليمية في البلدان المتقدمة على إنشاء صفحات لها على شبكات التواصل الاجتماعي، تنشر فيها مصادر معلومات للطلاب ومواد تعليمية فضلاً عن قيام بعض الأساتذة بنشر مقالات ومحاضرات وبحوث علمية مهمة، كما أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي جدارتها في كسب تأييد جمهور عريض للمرشحين في بعض الدول حين استثمروا هذه المواقع في حشد الأصوات، كما أثبتت بعض الدراسات أن اعتماد الحكومات وصُناع القرار على هذه المواقع في الترويج لمنجزاتها السابقة ومشاريعها الجديدة كفيل بحشد الرأي العام لمواطنيها وكسب تأييدهم.

ولا ننسى فضل هذه المواقع في بعض الحالات الاجتماعية، فقد تمكّن رجل من إيجاد ابنته عن طريق الفيس بعد أكثر من عشرين سنة من البحث، عندما اطلع مصادفة على ملفها الشخصي، كما تمكنت شقيقتان بوسنيتان من اللقاء بعد فراق دام أكثر من 75 عاماً، منذ الحرب العالمية الثانية، عندما كان نجل إحدى الشقيقتين يقوم بأبحاث حول شجرة العائلة واتصل عبر الفيس بوك بابنة خالته، دون أن يعلم أنهما ينتميان إلى العائلة نفسها.

من ناحيةٍ أخرى أتاحت هذه المواقع للأفراد فرصة التعبير عن آرائهم وتحقيق ذواتهم، كما ساهمت هذه المواقع في خفض حالات الخجل لدى البعض بنسبة 20% وزيادة الثقة بالنفس لدى البعض الآخر بنسبة 25%، كما ساهمت هذه المواقع في سرعة وصول المعلومات الإخبارية للجمهور المستقبل أكثر من الوسائل التقليدية المعروفة  من إذاعة وتلفزيون أو حتى صحف ، وقد بينت إحدى الدراسات أن 65% من الصحفيين والمحررين أصبحوا يعتمدون على صفحات الفيس وتويتر للحصول على الأخبار، في حين أن نسبة الذين يعتمدون على الصحف اليومية في تناقل الأخبار هي 8,28%. إلا أنه مع هذه الإيجابيات توجد آثار سلبية لاستخدام هذه المواقع دون قيد أو شرط.

فمن الناحية الفيزيولوجية يمكن أن يؤدي الاستخدام المتواصل لهذه الشبكات إلى إرهاق العيون وجفاف ماء العين بسبب استمرارية النظر إلى الشاشة، كما يؤدي الإدمان على هذه الوسائل إلى تلف المادة البيضاء في الدماغ، وبحسب دراسات فالتلف يُماثل التلف الحاصل لدى مدمني الخمر والكوكايين والحشيش، ويمكن أن يُسهم ما تتضمنه هذه الوسائل في إضعاف التركيز لدى القارئ، ومحو جزئي لما تتضمنه ذاكرة الفرد القديمة وحلول المنشورات أو الصور أو الفيديوهات مكانها سواء أكانت صحيحة أو خاطئة.

وقد بيّنت نتائج دراسات أن الاستخدام المتواصل لهذه المواقع يؤدي إلى التقصير في الواجبات الأسرية والاجتماعية فيعكف الفرد بعيداً عن العائلة والأصدقاء الواقعيين.

ولا ننسى أن استخدام هذه المواقع أسهم في دخول معتقدات غريبة عن مجتمعاتنا العربية وظهور جيل جديد (فيس بوكي) ذي عقلية نمطية شبيهة بما يطرحه هذا الموقع من أفكار وآراء مقدمة بلغة ركيكة مليئة بالأخطاء، نتيجة عدم الاستخدام الصحيح للغة العربية الفصحى.

ودفع التواصل عبر هذا العالم الافتراضي المفتوح دون قيد أو شرط إلى السرقة الفكرية لما ينشره الآخرون، وربما أدى الاستخدام المتواصل لهذه الشبكات إلى حالات نفسية مختلطة نتيجة تأثر الأشخاص بما يُنشر قد تودي بهم إلى نوبات من الخوف أو الحزن أو الغضب، كما لا ننسى الوقت الضائع والهدر للطاقات الإنسانية وعدم استثمارها في المعلومة النافعة والمعرفة الحقيقية صاحبة الأثر الأكبر في تنمية المهارات والخبرات لدى أفراد المجتمع.

 

إحصائيات وأرقام

تُشير الإحصائيات العالمية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن موقع الفيس بوك هو الأول عالمياً، إذ يبلغ عدد مستخدميه 483,1 مليار مستخدم، أما تويتر فجاء في المرتبة الثانية بعدد 982 مليون مستخدم، ثم جاء غوغل بعدد 340 مليون مستخدم، وقد أشارت إحصائيات أخرى أن 88% من مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية لديهم حساب واحد على الأقل على شبكات التواصل الاجتماعي ويستخدمون الإنترنت بشكل يومي.

وعن نسب المواضيع الأكثر شعبية فجاءت: قضايا المجتمع في المرتبة الأولى بنسبة 43%، ثم الموسيقا وأفلام بنسبة 67%، تلتها المواضيع السياسية بنسبة34%، وأخيراً المواضيع الدينية بنسبة 14%.

أما أكثر المواقع شُهرة في المنطقة العربية فجاء الفيس بوك أولاً بلا مُنازع بنسبة 94%، ويليه تويتر بنسبة 52% ثم غوغل 46% ثم انستغرام 14% ثم لينكدان 6% وأخيراً سناب تشات بنسبة 5% من المستخدمين.

لقد قدمت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الخدمات إن أُحسن استخدامها، لكن إن استخدمت بشكل خاطئ ودون رقابة من الجهات المعنية فإنها تتحول إلى نقمة ربما جرّت الجميع إلى مشكلات نحن في غنىً عنها.

فالضبط والتقنين لاستخدام هذه المواقع وبتعاون جميع الجهات كفيلٌ بحماية المستخدم وكل الجهات المستفيدة من هذه المواقع.

العدد 1104 - 24/4/2024