صناعة بدائل المستوردات الممكن والمطلوب

فؤاد اللحام:

أعادت الحكومة مؤخراً فتح ملف إنتاج بدائل المستوردات من جديد، بهدف توفير ما يمكن من القطع الأجنبي الذي تتطلبه عملية الاستيراد. وفي هذا الإطار عقد عدد من الاجتماعات على المستوى الوزاري والمختصين لبلورة رؤية هذا الموضوع الذي ما يزال قيد البحث والمناقشة والتطوير.

صناعة إحلال المستوردات ليس مفهوماً جديداً على سورية. فقد اعتُمد ونفذ منذ فترة طويلة وبشكل خاص منذ ستينيات القرن الماضي. وكانت نتيجته إقامة العديد من هذه الصناعات نجح بعضها وتعثر الآخر، بسبب التسرع وعدم إجراء الدراسات اللازمة لإقامة هذه الصناعة أو تلك، وتوفير مستلزمات نجاحها الحقيقي وليس الشكلي، بالقول إننا أنتجنا هذا المنتج أو ذاك بغض النظر عن كلفته ونوعيته مقارنة بالمنتج المستورد، وكذلك عدم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتمكينه من أن يكون منتجاً منافساً من حيث الجودة والسعر. وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى فرض منتج مرتفع السعر ومتدني الجودة، الأمر الذي شجع على التهريب. في الوقت الذي ضُيِّعت فرصة الدخول أو / والاستمرار في صناعة العديد من الصناعات الهامة مثل المقاسم الهاتفية ومكونات السيارات والجرارات

تتألف الواردات الحالية من المنتجات التي لا تنتج أصلاً محلياً، أو التي لا يغطي إنتاجها الحاجة المحلية. إضافة إلى الواردات (المؤقتة) الناجمة عن خروج المنشآت الانتاجية الزراعية والصناعية عن الإنتاج كلياً أو جزئياً بسبب الأزمة. يضاف إلى ذلك الواردات المطلوبة لعملية إعادة الإعمار حالياً ومستقبلاً.

من المؤكد أننا لا نستطيع إنتاج كل ما نحتاجه من المنتجات التي نستوردها حالياً، خاصة اذا ما تحقق التركيز على تحقيق الميزة التنافسية للمنتج البديل من حيث الجودة والسعر. لكن بالإمكان اختيار مجموعة من المنتجات المستوردة التي تحقق حالياً أو يمكن أن تحقق على التوازي الميزة التنافسية التي أشرنا إليها لإنتاجها محلياً. لكن هذا يتطلب توفير مجموعة من الشروط والظروف المناسبة لذلك في مقدمتها ما يلي:

1- ضرورة تقييم تجربة إنتاج بدائل المستوردات التي نفّذت في سورية بشكل علمي وموضوعي واستخلاص الدروس المستفادة منها وكيفية تعظيم جوانبها الإيجابية وتخفيف آثارها السلبية قبل معاودة تطبيقها من جديد. مع ضرورة الاستئناس بتجارب الدول الأخرى في هذا المجال التي تشابه ظروف سورية.

2- اختيار مجموعة من المنتجات المستوردة ذات الأولوية التي لا تنتج حالياً والتي يمكن تصنيعها بميزة تنافسية. وحصر الطاقات القائمة من المنتجات التي لا تلبي حاجة السوق الحالية والمستقبلية فعلياً سواء العاملة فعلياً أو قيد الانشاء أو التي يمكن إعادة تأهيلها، وتقدير الاحتياجات المتوقعة لعملية إعادة البناء من هذه المنتجات. ومن ثم تحديد الفجوة التي يجب ردمها من خلال إقامة المشاريع الجديدة، أو توسيع وتطوير المنشآت القائمة. وهذا يتطلب- بالنسبة للمشاريع الجديدة- إعداد ملفات تعريفية بالفرص الاستثمارية المطلوبة وترويجها ليصار إلى إعداد دراسات جدوى فنية واقتصادية لتنفيذها.

3- إعطاء الأولوية في التمويل والتسهيلات والإعفاءات للمنشآت الإنتاجية المتضررة أو المتوقفة عن العمل أو التي تعمل جزئياً لعودتها للإنتاج بكامل طاقتها لتلبية الحاجة المحلية من إنتاجها بدلاً من استيراد البديل عنه في الوقت الراهن.

4- التركيز على سلسلة القيمة للمنتجات التي توفر أو يمكن أن توفر ميزة تنافسية في القطاعات الصناعية الأساسية (النسيجية والغذائية) وتلك التي يمكن أن توفر مثل هذه الميزة في القطاعات الصناعية الأخرى (الكيميائبة والهندسية) بشكل يغني عن الاستيراد ويزيد التصدير.

5- توفير الدعم والحماية الذكية الفعالة للمنشآت الإنتاجية الوطنية بشكل يحفزها على العمل المستمر لتحسين نوعية منتجها وميزته التنافسية من حيث الجودة والسعر وتجنبها حالة الكسل والخمول اعتماداً على سياسة حمائية غير فعالة.

6- إن إقامة مشاريع صناعية وزراعية تحل محل الواردات تتطلب وجود عمالة محلية كافية ومؤهلة لتلبية هذه الاحتياجات. لذلك يجب توفير مراكز التدريب والتأهيل اللازمة من حيث الأبنية والتجهيزات والمدربين واتخاذ الاجراءات اللازمة لتشغيل المتدربين والمحافظة عليهم.

7- توفير العلنية والشفافية والتنوع في ترخيص وتنفيذ مشاريع انتاج بدائل المستوردات بعيداً عن تفصيل هذه الأمور والإجراءات لمصلحة أشخاص أو مجموعات محددة.

أخيراً ينبغي التذكير بأن توفير القطع الأجنبي لا يتحقق فقط من خلال إنتاج بدائل المستوردات، لأن هذه العملية أيضاً تتطلب قطعاً أجنبياً لتجهيزاتها ومدخلات إنتاجها، بل يتحقق أيضاً، وكما هو معروف، من خلال زيادة التصدير وهو ما يعيدنا إلى ضرورة دعمه وتشجيعه والعمل الجاد على توفير الميزة التنافسية للمنتج المحلي المراد تصديره.

العدد 1104 - 24/4/2024