أمنيتان على بوابة العام الجديد…

غياث رمزي الجرف:

(1)

حركة (الشعر الحرّ) كانت محطة/ انعطافة تاريخية في مسيرة الشعر العربي، واحتلت الشاعرة العراقية (نازك الملائكة) منزلة مرموقة في هذه الحركة إلى جانب الشاعر (بدر شاكر السيّاب) في إطار العطاء الشعري التجديدي ل (جيل الروّاد) منذ عام 1947.

وقد لعبت الشاعرة الرائدة (نازك الملائكة) دوراً أساسياً وتأسيسياً، على الصعيدين الإبداعي والنقدي التنظيري، في حياة الشعر العربي المعاصر.

فعلى الصعيد الإبداعي قامت الشاعرة (نازك) منذ قصيدتها الشهيرة (كوليرا)، بتقديم النموذج الشعري الجديد (التجديدي) (…)، وعلى الصعيد النقدي/ التنظيري كتبت (نازك) دراسات نقدية وتنظيرية بدءاً من مقدمتها لديوانها الشعري الثاني (شظايا ورماد-1949) التي نظر إليها الكثير على أنها (البيان الأول للحداثة الشعرية العربية)، وانتهاء ب كتابيها: قضايا الشعر المعاصر (1962)، وسيكولوجية الشعر (1995).

***

كتبت الشاعرة نازك الملائكة قصيدة تخاطب بها العام الجديد بلغة شعرية (متململة، قد تشي بالثورة والتمرد، وانعطاف ذاتي داخلي.. وبرؤية قاتمة تستشرف (غداً) يأتي به عام جديد، لكنه يأتي لمن هم عراة من الشعور، وهاربون من الزمان إلى العدم)، ومن هذه القصيدة السطور الشعرية الآتية:

يا عامُ لا تقربْ مساكننا، فنحنُ طيوفْ

من عالم الأشباحِ، ينكرنا البشر

ويفرُّ منّا الليلُ والماضي، ويجهلنا القدر

ونعيش أشباحاً تطوف

نحنُ الذين نسيرُ لا ذكرى لنا

لا حلم، لا أشواق تشرق، لا مُنى..

نحنُ العراةُ من الشعور، ذوو الشفاه الباهتة

الهاربون من الزمان إلى العدم

الجاهلون أسى النوم..

نحيا، ولا نشكو، ونجهل ما البكاء

ما الموت، ما الميلاد، ما معنى السماء

يا عامُ سِرْ، هو ذا الطريق

يلوي خطاك، سُدى نؤمل أن نفيق

نحنُ الذين لهم عروق من قصب

بيضاء أو خضراء، نحن بلا شعور

الحزن نجهله، ونجهل ما الغضب

ما قولهم إن الضمائر قد تثور

ونود لو متنا فترفضنا القبور…

هل اختلف اليوم عن الأمس؟ هل كانت على حق فيما ذهبت إليه شاعرتنا؟ وهل ما تزال هذه الأمنية/ الصرخة للشاعرة نازك الملائكة سارية المفعول حتى هذه اللحظة الراهنة؟

 

(2)

أما الشاعرة العربية الكبيرة (فدوى طوقان)، التي ولدت في مدينة النار والثورة (نابلس) عام 1917 لأسرة عربية عريقة، والتي فارقتنا فراقاً أبدياً في الثالث عشر من شهر كانون الأول عام ،2003 هي بامتياز سنديانة فلسطين التي لا تموت، وأم الشعراء الحانية على امتداد الزمان… قضت عمرها، ولا سيما بعد الهزيمة القاسية النكراء التي حلّت بالعرب في الخامس من حزيران عام ،1967 في حمل الهمّ العربي ومقارعة الاحتلال الصهيوني النازي لوطنها فلسطين. وكانت قصائدها تشكّل تحدياً مستمراً وقلقاً دائماً لدى سلطات الاحتلال، وقول المجرم (موشي ديّان) وزير دفاع الكيان الصهيوني ((إن كلّ قصيدة تكتبها فدوى طوقان تعمل على خلق عشرة من رجال المقاومة الفلسطينية)) خير دليل على ذلك.

لقد كان صوت فدوى طوقان الشعري خالصاً للحب العميق المترامي الأمداء. وخالصاً للإبداع الإنساني المنافح عن الحق والجمال والحرية والعواطف الإنسانية النبيلة التي هي في نهاية المطاف ألف الحياة وياؤها.

ولعل قصيدتها ((صلاة إلى العام الجديد)) من القصائد العربية الغنائية القليلة التي عبّرت بعمق وصدق وصلاة ضارعة، وعلى نحو وجداني بديع خلاق، عن أمل إنساني لا يريم: في الحب الحاني.. في الخير والعطاء.. في الأمن والسلام.. وفي الخصوبة والزمن الأخضر القادم…

في يدينا لكَ أشواقٌ جديدةْ

في مآقينا تسابيح، وألحانٌ فريدةْ

سوف نُزجيها قرابين غناءٍ في يديك

يا مطلّاً أملاً عذب الورودْ

يا غنيّاً بالأماني والوعودْ

ما الذي تحمله من أجلنا؟

ماذا لديك؟

أعطنا حباً..

فبالحبّ كنوزُ الخير فينا تتفجَّرْ

وأغانينا ستخضرُّ على الحبّ وتُزهرْ

وستنهلُّ عطاءً وثراءً وخصوبةْ

أعطنا حباً..

فنبني العالمَ المنهارَ فينا من جديدْ

ونعيدْ

فرحة الخصب لدنيانا الجديبةْ

أعطنا نوراً يشقّ الظلماتِ المدلهمةْ

وعلى دفقِ سناهُ

ندفع الخطوَ إلى ذروة قمَّةْ

نجتني منها انتصاراتِ الحياةْ…

وبعد.. أيّها العربيّ الوطنيّ الشريف المقاتل والمقاوم، الصامد والصابر صبر أيوب، يا صاحب الكرامة الوطنية والقومية والنخوة والشهامة والمروءة، السوريون، والعراقيون، واللبنانيون، والفلسطينيون، واليمنيون، والمقهورون، المصلوبون في أَتُون جهنم، المحاصرون بالقتل والحرق والإرهاب والتكفير والتجويع، بالأَدْعياء، والطُّلَقاء، وبائعي الأوطان، وناهبي البلاد والعباد، والمحاصرون بالمُتَأسلمين، المُتَأمركين، المتصهينين والرماديين، كل هؤلاء يشدون على يديك، يباركون خُطاك، يقفون بثبات إلى جانبك، ينحنون بإجلال أمام تضحياتك وبطولاتك وفدائك، ويناشدونك:

لا ينهض بأمتنا وأوطاننا وبنا سواك، ولا يعيد جوهر العيد إلينا أحد إلاك، فامضِ في خُطاك من أجل عيد نجتمع فيه على المحبة والمودة والفرح والخير والحياة الكريمة، ونحتفل به احتفالاً يليق بالإنسان وبالطفولة التي باركها يَسُوع المَسِيح الناصريّ، وقال: ((دَعُوا الصغارَ يَأْتُونَ إليَّ ولا تَمْنَعُوهُمْ، لأنَّ لِمِثْلِ هؤلاءِ ملكوتَ السماواتِ)).

ويقولون لك: سِرْ في خطاكْ، من أجل الكرامة والحرية والعدالة والمساواة واحترام إنسانية الإنسان، من أجل وطنٍ حرٍّ، كريمٍ، آمنٍ، لا ظلم فيه ولا عنف، لا إرهاب ولا تكفير، لا احتلال ولا حصار، ولا حقد وكراهية وسواد.

العدد 1104 - 24/4/2024