فضاءات ضيقة.. صيانة الكلية الاجتماعية قضية وطنية
د. عاطف البطرس:
لم يعد خافياً على الكثيرين من أبناء سورية وغيرهم أن الهدف من الحرب الظالمة التي شنت عليها هو إسقاط الدولة السورية التي قطعت شوطاً باتجاه تأسيس الدولة الوطنية المعاصرة.
والدولة كما هو معروف تقوم على أسس ثابتة من أهمها:
1- وحدة التراب الوطني.
2- النسيج الاجتماعي المتماسك.
3- المؤسسات بكل ما فيها من دستور وسلطات وأنظمة وقوانين…
فإذا كانت فكرة تقسيم سورية قد أخفقت بسبب صمود الشعب السوري وجيشه الباسل وقيادته السياسية، فقد برزت إلى الصدارة قضية صيانة الكلية الاجتماعية ونعني بها النسيج الاجتماعي المتضافر والمتماسك الذي حاول أعداء سورية اختراقه بعملية العودة إلى انتماءات ما قبل الدولة /الوطن، عن طريق إثارة الأحقاد القديمة وإحياء الطائفية البغيضة واستثمار الدين ونصوصه بشكل يعمل على تقسيم المجتمع وتفتيت وحدته بهدف إضعافه.
فإذا كانت كل المحاولات السابقة قد أصابها الإخفاق بسبب الحس الوطني والتمسك بالوحدة الوطنية، فإن تركات الحرب ومفرزاتها وما نجم عنها من آثار وندوب تحتاج إلى شجاعة وحكمة في مواجهتها.
إعادة النظر في تقييم وحدة المجتمع وقوة وتماسك النسيج الاجتماعي فيه تتصدر المواجهة اليوم، إذا نحّينا جانباً ولو مؤقتاً القضية الفكرية الثقافية.
المواجهة متعددة الجوانب منها السياسي ومنها الاقتصادي الاجتماعي ومنها الفكري الثقافي، وهي تشكل حزمة واحدة تسير بتساوق وتوازٍ، فإن تقدم أحدها لبرهة زمنية فهذا لا يعني أبداً تراجع وإغفال العناصر الأخرى.
اشتداد التفاوت الطبقي في المجتمع يشكل خطورة كبيرة على البنية الاجتماعية والوضع المعاشي للمواطنين والأزمات المفتعل منها والحقيقي مع تدني انخفاض مستوى الدخل للأفراد قضايا على غاية من الأهمية، بل تكاد تصبح قضية وطنية من الدرجة الأولى.
أثبت الشعب السوري في المواجهة وطنية عالية وقدم كل ما يملك من أجل ما تحقق من انتصارات، الاعتماد على وطنيته لم يعد كافياً فقد حان الوقت الذي علينا أن نلتفت فيه إلى حياة الناس، فإذا كانت إحصاءات الحكومة تقول بأن أسرة من أربعة أفراد تحتاج كحد أدنى إلى 300 ألف ليرة سورية شهرياً ودخلها الرسمي لا يتجاوز ال50 أو 60 ألفاً فكيف يعيش أبناء الشعب السوري وأسرهم بمثل هذا الدخل؟!
إنها معجزة حقيقية وعبقرية شعبية في التكيف مع الظروف الطارئة، ولكن إلى متى يمكن للناس أن يصمدوا في تلك المواجهة؟
كيف لنا إقناع أبناء الشعب السوري بالتمسك بوطنيتهم ومتابعة صمودهم والتصدي لما يخطط لبلدهم ولدولتهم؟
لقد أصبحت الحجج باهتة والبلاد بحاجة إلى طاقات أبنائها وبشكل خاص الشباب منهم الذين أصبحت الهجرة شغلهم الشاغل.
إعادة الثقة بين الحكومة ومؤسسات الدولة الرسمية والمدنية غير قابلة للتأجيل، وهي تتطلب إجراءات عملية فعالة تنعكس بشكل مباشر على حياة الناس وتجعلهم أكثر اطمئناناً على مستقبل أبنائهم.
توفير الأمان والأمن إنجاز كبير وعليه أن يترافق مع انجازات اجتماعية وحلول للمشاكل الملحة التي يعاني منها أبناء سورية العزيزة، فهم يستحقون الحياة الكريمة التي تلبي احتياجاتهم الضرورية بعد صمودهم البطولي الذي دام أكثر من سبع سنوات.