اتحاد الشباب الديمقراطي السوري يقيم ندوة حول (مخاطر خصخصة التعليم العالي في سورية)

أقام اتحاد الشباب الديمقراطي السوري ندوة بعنوان (مخاطر خصخصة التعليم العالي في سورية) يوم الثلاثاء، 11/12/2018 في المكتب المركزي للحزب الشيوعي السوري الموحّد في دمشق.

تحدث في الندوة الرفيق بشار منيِّر، مدير تحرير جريدة (النور) والباحث الاقتصادي وعضو جمعية العلوم الاقتصادية، والدكتورة رشا سيروب، الأكاديمية والباحثة الاقتصادية.

بدأ الرفيق بشار منير حديثه بلمحة عن بداية ظهور القطاع العام، بيّن فيها أنه مع ظهور الدولة الحديثة بعد الثورة الفرنسية ساد مفهوم المواطنة من حيث حقوق المواطن وواجباته وحقوق الدولة على المواطن، وفي ظل الشعار الاقتصادي المطروح وقتذاك: (دعه يعمل دعه يمر) كتوجّه للاقتصاد الحر، كان حق المواطنة المطروح يتطلب أن تستثمر الدولة الثروات لصالح الشعب، وأن تستخدم أدوات اقتصادية تقدم الخدمات غير الربحية للشعب صاحب الثروات. ومن هنا نشأ مفهوم القطاع العام.

بعد نشوء النظام الاشتراكي تبين أن عملية تنمية المجتمع هي عملية نوعية غير ربحية، وهي واجب الدولة تجاه مواطنيها.

ومع نشوء الدول الاشتراكية ونهوض حركات التحرر الوطني، تشكلت قناعة أن القطاع العام هو الأداة الوحيدة لإنهاض البلدان اقتصادياً واجتماعياً، باعتبار القطاع الخاص غير معني بالتنميةk فدوره استثماري ربحي لا أكثر.

أما في سورية ما بعد الاستقلال فقد كان هنالك وجود للقطاع العام، ولكن مشاركته لم تكن تتجاوز ٤٢% من الناتج المحلي الإجمالي، والنقلة الكبيرة في هذا المجال حدثت بعد عام ١٩٦٦ بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي حينذاك، عندما طرح شعار التحول الاشتراكي للبلاد، فوقعت العديد من الاتفاقيات لبناء مصانع ومنشآت لصالح الدولة السورية.

تضخم حينئذٍ القطاع العام وأصبح قائداً للعملية الاقتصادية، ولكن المفارقة كانت أن نسبة مشاركته في الناتج المحلي الإجمالي بقيت بحدود ٤٠%.

وفي الفترة اللاحقة في ثمانينيات القرن الماضي كانت الإيرادات العامة هزيلة لأسباب سياسية في معظمها، وبدأ التوجه للسماح للقطاع الخاص للتوسع بشكل أكبر.

وأكد الرفيق المنيّر أن الحزب الشيوعي السوري كان من الرافضين لتحويل القطاع العام إلى قطاع خاص، لثقة الحزب بأن القطاع العام هو السند الحقيقي للفئات الفقيرة والمتوسطة.

في عام ١٩٩١ أصبح هناك تفكير جدي بإعادة هيكلة الاقتصاد السوري وفقاً لقانون العرض والطلب، وصدر قانون الاستثمار وأُتبع بالعديد من القرارات الأخرى، ومنذ عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٥ جرى التخطيط وإصدار القوانين المشجعة للقطاع الخاص، وتبعها نهج عام من ٢٠٠٥ حتى ٢٠١١ لمنح القطاع الخاص الفرصة بالاستيلاء على القطاع العام، مع إشاعة العديد من المبررات، منها أن القطاع العام يعاني من الفساد المستشري، وأن عملية إصلاحه إدارياً ومالياً غير مضمونة، وتحتاج إلى وقت طويل.

واصبح القطاع الخاص بعد ذلك يشارك بـ٧٦% من الناتج المحلي الإجمالي. وبدأت مشاريعه تتضخم وتتغلغل في مختلف المجالات وصولاً إلى التعليم العام والجامعي.

وفي الوقت الحالي فإن الخوف من تحويل هذا الطرح إلى توجه اقتصادي شامل، حيث تسيطر عالمياً الليبرالية الاقتصادية الجديدة.

ظهرت في سورية محاولة للاندماج بالاقتصاد العالمي الذي يقتضي الخضوع للنماذج التي يفرضها توافق واشنطن، وشروط البنك الدولي التي رفضت رسمياً في سورية ولكن تم تنفيذ مضمونها بقرارات وزارية، من تخفيف للدعم على السلع الأساسية، والسماح للقطاع الخاص بالدخول إلى أماكن سبق أن كانت محظورة عليه.. الخ.

ويجري الآن تضخيم الخسائر وتضخيم كلفة إعادة الاعمار، لفتح المجال أمام البيوتات المالية العالمية الضخمة للقدوم والاستثمار في هذا المجال.

وتابع الرفيق منيّر: إن الحزب الشيوعي السوري الموحد يطالب بعملية تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة، لا إعادة إعمار شكلية، إذ نريد البناء من جديد، بناء اقتصادياً (وطناً ومواطناً)، وطناً يضمن لقمة المواطن السوري وكرامته، ويضمن تكافؤ الفرص في جميع المجالات.

سيروب: الخصخصة بمعنييها الضيق والواسع

بدأت الدكتورة رشا سيروب حديثها بلمحة عن أقسام التعليم العالي في سورية وطرق تمويله، وأعداد الجامعات الخاصة المتزايدة، ومقارنة بين الاختصاصات والقيمة العلمية والدرجات التي تمنحها الجامعات العامة مقارنة بالخاصة.

وطرحت سؤالاً هاماً: هل تحققت خصخصة التعليم العالي في سورية؟

وأكدت أنه يجب الاتفاق بداية على تعريف الخصخصة، فإذا تم تعريفها بالمعنى الضيق للكلمة سيبدو أنه لا يوجد خصخصة في مجال التعليم العالي، أما الخصخصة بالمعنى الواسع، فهي تخلي الدولة عن جزء من مهامها وتحويله لصالح القطاع الخاص.

وفي التعليم العالي يشير البعض إلى أن خصخصة التعليم العالي تعني فسح المجال أمام القطاع الخاص للتوسع في إنشاء الجامعات والمراكز البحثية والتدريسية وامتلاكها لأهداف ربحية.

إلا أن مفهوم الخصخصة في التعليم لا يقتصر فقط على إفساح المجال للقطاع الخاص للمؤسسات التعليمية، بل توسع ليشمل مجموعة من الترتيبات التعليمية والسياسات التمويلية التي تخضع لقوى السوق؛ فنتج عن ذلك ظهور أشكال عديدة ومتنوعة من خصخصة التعليم العالي:

– من خلال السماح للقطاع الخاص بإنشاء مؤسسات تعليم عال خاصة تحت إشراف حكومي بموجب المرسوم التشريعي 36 لعام 2001 وبدأ التعليم العالي الخاص ابتداء بالعام 2003.

– من خلال تخلي الدولة تدريجياً عن مفهوم مجانية التعليم العالي، عن طريق تحميل من يقدر جزءاً من الأعباء الدراسية، وهو ما جرى عند إحداث التعليم الموازي والتعليم المفتوح وجعلها مأجورة (بدأ المفتوح عام 2001/2002).

إذاً بداية الألفية الثالثة كانت عصر التحول نحو خصخصة التعليم العالي في سورية.

وتساءلت الدكتورة رشا حول المبررات التي ارتكن إليها من أجل خصخصة التعليم العالي؟

فخصخصة التعليم العالي خضعت وتخضع لجدل طويل منذ بدء التفكير بها كأسلوب عمل مرافق أو بديل للتعليم العالي الحكومي، فالمؤيدون لوجود مؤسسات التعليم العالي الخاص يوردون المبررات والمسوغات التالية التي تؤيد وجهة نظرهم:

1)تخفيض مخصصات الإنفاق الاستثماري، فهي لم تتجاوز 0.58% من إجمالي الاعتمادات الاستثمارية منذ عام 2006 ووصلت إلى 0.13% عام 2014 ونسب التنفيذ لم تتجاوز 15%، فالخصخصة ستخفف العبء الذي تتحمله الدولة ويزيد من سرعة انتشار الجامعات والمؤسسات التعليمية، وهذا سينعكس على زيادة القدرة الاستيعابية لتلك المؤسسات، بالتالي يخفف من الضغط على الجامعات الحكومية مما يمكنها من تحسين مخرجاتها، كما أنه يخلق تنافساً حميداً بين القطاعين العام والخاص مما يسهل الوصول إلى الأفضل.

2)وجود وانتشار مؤسسات التعليم العالي في الداخل سوف يكون رديفاً للجامعات الحكومية، يساعد على الحد من هجرة الطلبة للدراسة على حسابهم الخاص في الخارج خصوصاً في الأجواء والظروف السياسية والأمنية.

3) ارتفاع عدد الطلاب في الجامعات الحكومية مقارنة مع أعداد أعضاء الهيئة التدريسية (نسبة طالب إلى أستاذ).

4)ديناميكية الجامعات الخاصة في افتتاح فروع واختصاصات نوعية تنسجم مع متطلبات سوق العمل.

5)يعتبر تحمل الطالب لتكاليف دراسته بما في ذلك الرسوم الدراسية عاملاً هاماً يحثهم على الجد والاجتهاد والاهتمام بالتحصيل العلمي، وذلك حتى لا يخسر مرتين مرة خسارة المال ومرة الرسوب، وليس هذا فحسب بل إنهم سوف يحاولون التفوق والتخرج في وقت قياسي وذلك لخفض التكلفة.

6)زيادة المشاركة الشعبية في تحمل تكاليف التعليم في البلد من خلال دخول المؤسسات والشركات ورجال المال والأعمال في عملية الاستثمار في ذلك المجال، ويرون أن القطاع الخاص أقدر على تلمس حاجة السوق من الخريجين.

7)ضعف الكفاءة الإدارية والاقتصادية والإنتاجية لدى مؤسسات القطاع العام مقارنة بمؤسسات القطاع الخاص، وهم يقولون إن مؤسسات القطاع العام تخضع لضغوط اجتماعية وسياسية تجبرها علِى تبني سياسات وممارسات غير مرغوبة، وهذا يؤدي إلى تدني مستوى الإنتاجية المأمولة منها. ومن الأمثلة على ذلك قبول تخريج طلبة في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل.

8)إدارة مؤسسات التعليم العالي على أُسس اقتصادية سينعكس على الجودة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتمتع المؤسسات بالمرونة التي تجعلها أقدر على التكيف مع المتغيرات المحلية والدولية.

أما معارضو خصخصة التعليم العالي فلديهم آراء ومبررات مختلفة، يمكن أن نورد منها ما يلي:

1)رسوم التسجيل وتكاليف الدراسة مبالغ فيها، مما يجعل الالتحاق بكليات وجامعات القطاع الخاص يكاد يكون محصوراً بأبناء الطبقة الغنية، وهذا له نتائج سلبية ذلك أنه يعمق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وهذا سوف يؤدي إلى خلق انقسام اجتماعي يؤسس طبقية غير مرغوب فيها.

2)هناك مبالغة كبيرة في الادعاء أن كفاءة التعليم العالي الخاص تفوق كفاءة التعليم العالي الحكومي، وخير دليل على ذلك أن الجامعات الحكومية ما زالت تحتل المراتب الأولى في تصنيف الجامعات على مستوى سورية، وأن نسب النجاح المرتفعة في الفحص الوطني ما زالت لصالح الجامعات الحكومية.

3)باعتبار أن الجامعات الخاصة في سورية معظمها ربحي، فلن تولي البحث والتطوير أي اهتمام، فهو لا يحقق لها الربح على المدى القصير ومردودها ليس آني، مما يجعلها تهتم بتقديم منافع فردية كثيرة ولكن عائدها على المجتمع محدود، والاكتفاء بالتدريس كوظيفة للجامعة.

4)لا يجوز النظر إلى التعليم على أنه سلعة قابلة للاتجار، فالاستثمار في التعليم هو استثمار إنساني لا يمكن إعادة بيعه في حالة الخسارة، والخسارة تحدث عندما يقدم على الاستثمار في هذا المجال من لا يعرف أبعاده ومتطلباته وليس لديه القدرة على إدارته.

5)إن التعليم العالي خدمة عامة يجب أن تعم فوائده جميع شرائح المجتمع، وهذا ما لا يستطيع التعليم الخاص تحقيقه، خدمة التعليم العالي لا تقتصر على طرفين فقط هما مؤسسات التعليم العالي والمستفيد منها، بل تتعداها إلى طرف ثالث هو المعني بذلك كله وهو المجتمع خصوصاً أن نسبة كبيرة من أسر المجتمع لا تستطيع شراء خدمة التعليم العالي، ولذلك فإن خصخصة التعليم العالي سوف يسبب خسارة كبيرة لسورية نتيجة إحجام أعداد غفيرة من الناس عن إلحاق أبنائهم بذلك النوع من التعليم لعدم القدرة على الدفع لارتفاع تكاليف الدراسة فيه من ناحية، وبسبب أن متوسط عدد أبناء الأسرة الواحدة لدينا يتراوح بين (3 – 4) وتعليمهم يكلف الكثير.

6)تتناقض الخصخصة مع مبدأ سهولة الوصول على قدم المساواة إلى التعليم العالي، فالبند الرّابع من اتفاقيّة اليونسكو لمكافحة التمييز في التعليم عام 1960، يلزم الدول التي هي طرف فيها (بجعل التّعليم العالي قائماً للجميع على أساس القدرات الفردية).

ثم تابعت متسائلة: هل حققت الخصخصة غايتها؟

فبينت أنه لم تتجاوز نسبة الطلاب في الجامعات الخاصة 7% نسبة إلى طلاب الجامعات الحكومية، وبذلك لم تستطع ان تكون رديفاً مخففاً عن الضغط على الجامعات الحكومية، ولم تفتح فروعاً حديثة ولم تكن منافسة للجامعات الحكومية، رغم رفع أسعار الساعات على الطلاب إلا أن خدماتها التعليمية لم تتطور مقارنة بالتغير بالأسعار والرسوم، ولم تختلف طرائق التدريس، فقد اعتمدت معظم الجامعات الخاصة على الكوادر التدريسية في الجامعات الحكومية، ولم تفتح اختصاصات جديدة يتطلبها سوق العمل، فضلاً عن اعتماد الكتاب الجامعي المعتمد في الجامعات الحكومية، والتدريس باللغة العربية (بناء على قرار مجلس التعليم العالي باستثناء عدد ضئيل من الجامعات الخاصة).

وإن نسبة طالب إلى أستاذ رُفعت عدة مرات وأصبحت بذلك من أعلى معدلات النسب مقارنة مع الجامعات المتقدمة، وإذا قورنت مع نسبة طالب إلى أستاذ في الجامعات الحكومية (وفقاً لإحصائيات وزارة التعليم العالي) سنجد أن نسب الجامعات الحكومية أفضل.

وانخفضت نسبة تنفيذ الإنفاق الاستثماري من 88% عام 2011 لتصبح فقط 15.11% في العام 2014 علماً أنه خلال الفترة ذاتها افتتاح أربع جامعات خاصة جديدة، رغم خسارة سورية ما يقارب 20% من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية وعدم وجود كوادر خاصة بالجامعات الخاصة.

وأكدت المحاضرة أنه رغم هذا الاختلاف في طرق التعليم إلا أن النظام التعليمي لم يستطع خلق منافسة فعلية حقيقية بين الأنواع المختلفة من التعليم، ولم تكن متناسبة مع متطلبات وتغيرات سوق العمل، فقد كانت عبارة عن نسخ مستنسخة عن بعضها، سواء من حيث طرائق التدريس أو المناهج الدراسية، باستثناء أن الجامعات الحكومية ما زالت – رغم ضآلة مخصصات البحث العلمي ورغم شح الموارد المالية- تنفق على البحث العلمي وعلى إرسال موفدين ومعيدين، وهو غير محقق لدى الجامعات الخاصة ذات الملاءة المالية المرتفعة، ولم تستطع الجامعات الخاصة أن تخلق اختصاصات نوعية وحقولاً تعليمية مميزة تناسب متطلبات التنمية وحاجة السوق، كل ما قامت به هم افتتاح فروع مطلوبة تجارياً ومكررة خلقت فائضاً في المعروض مقارنة مع متطلبات السوق.

فالزيادة الكبيرة في أعداد الجامعات الخاصة وعدم توافر الكادر التدريسي الكافي أثر على أداء كليهما وهذا ما لوحظ من خلال انخفاض مستوى التصنيف العالمي لجميع الجامعات السورية.

فضلاً عن أن طرق الانتقاء لم تعد تعتمد المعدل (رغم عدم اتفاقنا معه بالكامل) بل اتجه 30% من استيعاب الطلبة في الجامعات الحكومية على المعدل الأقل (وإن كان بعلامة أو علامتين) إلا أنه في هذه الحالة استثنى جزءاً من الأقدر على دخول هذا الاختصاص، أما في الجامعات الخاصة فاعتمد على من يملك في دراسة ما يرغب من اختصاص رغم تدني مستوى معدلات القبول.

وبينت نتائج الخصخصة في التعليم العالي:

-الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص: تشير أهداف التنمية المستدامة ضمن الهدف 4 – (ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع)، إذ تؤكد الغاية 3 (ضمان تكافؤ فرص جميع النساء والرجال في الحصول على التعليم المهني والتعليم العالي الجيّد والميسور التكلفة، بما في ذلك التعليم الجامعي، بحلول عام 2030) وهو غير محقق في أنظمة التعليم المختلفة.

-الإخلال بمبدأ المساواة (وهو حق من حقوق الإنسان): وفقاً للعهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافيّة: (جعل التعليم العالي سهل الوصول للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيّما بالأخذ تدريجيّاً بمجانية التعليم)، ووفقاً لمفهوم العهد الدوليّ، يجب على الدولة أن تزيد من سهولة الوصول على قدم المساواة لجميع السكان ويوصي بجعل التعليم العالي مجانيّاً كوسيلة لتحقيق الهدف. ويعبّر هذا المبدأ عن واجب الدولة في تطوير وإدارة جهاز للتعليم العالي يكون الدخول إليه مشروطًا بقدرة تعلّمية شخصيّة فقط، وليس بأيّة خصائص جماعيّة، مثل الوضع الاقتصادي أو الانتماء الثقافي، الطائفي أو القومي للمتقدّمين.

– إهمال المعاهد التقانية رغم أهميتها للمرحلة القادمة.

– سياسة التعليم العالي اتجهت نحو تمكين طبقة من يقدر على حساب من لا يقدر، وذلك من خلال زيادة حصتهم في الطاقة الاستيعابية في الجامعات الحكومية، فوصلت إلى 30% في التعليم الموازي.

– المزاحمة في سوق العمل وتعزيز الفوارق الطبقية: التعليم الجامعي الخاص لم يأخذ بعين الاعتبار فائدة السوق والمجتمع، فقد ساهمت الجامعات الخاصة والتعليم المفتوح في خلق فائض من حملة الشهادات الجامعية مما ساهم في تدني الأجور وارتفاع معدلات البطالة والتي أساساً تعتبر شريحة خريجي الجامعات الأكثر بطالة، وباعتبار أن التعليم العالي بمثابة مفتاح للاندماج في سوق العمل وللحراك الاجتماعيّ، نجد أنه جرى تهميش شريحة كبيرة وحدّت من قدرة الفقراء على دخول سوق العمل.

– إلا أنه على المقلب الآخر، استطاعت السياسة المتبعة في تحسين بسيط لدخول الدكاترة (رغم انخفاضها) وبالتالي حافظت على بقاء جزء مقبول من الكادر التدريسي داخل سورية.

-استقطبت عدداً لا بأس به من الطلاب السوريين المقيمين في الخارج.

-الحد الأدنى لتكلفة الطالب في الجامعة الخاصة سنوياً يبلغ 500 ألف ل. س والحد الأقصى 4 ملايين ل. س (لا تتضمن رسوماً جامعية ونفقات أخرى من نقل وكتب ووو)، وفي الحالة الأولى التكلفة الشهرية في الحالة الأولى أكثر من وسطي دخل الفرد، وفي الحالة الثانية أكثر بـ12 مرة من وسطي دخل الموظف، فإذا كان لدى العائلة السورية طالبان في العمر نفسه، فكيف سيتاح تأمين هذه المبالغ؟

اختتمت الدكتورة رشا حديثها بأن المزج بين العولمة وفكر الليبرالية الاقتصادية الجديدة قد أسفر عن تغييرات ومستجدات عديدة في قطاع التعليم على مستوى العالم، وفي الوطن العربي، وقد تزايدت أهمية الأبعاد التجارية والسوقية، وغيّرت من الطبيعة الاجتماعية والتنموية للتعليم، فتراجع اعتبار التعليم كخدمة عامة من أجل عائد ومنافع اجتماعية، وتقلّصت إتاحته لكل من يقدر عليه من أجل تهيئة أفراد المجتمع وتعزيز قدراتهم للمساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية والتنموية. وصارت أهمية التعليم تصبّ بشكل أكبر وأكبر على كونه استثماراً يحقق عائداً مادياً كغيره من أشكال الاستثمار في السلع والخدمات. وفي ظل الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (GATS) أصبح التعليم بجميع مراحله أحد قطاعات تحرير التجارة في الخدمات، فتضمن الاتفاقية أحياناً، وتيسّر في أحيان أخرى، حرية الوصول إلى (أسواق) التعليم أو أنظمته عبر الحدود، ولم يعُد من غير المألوف أن تتضمّن الدراسات الأكاديمية وتتناول قضايا التعليم عبارات مثل: التعليم العابر للحدود(Transnational Education) أو الاتجار بالتعليم (Trade in Education) أو الجامعات الهادفة إلى الربح، وتصدير واستيراد خدمات التعليم.

وبدلاً من أن يقوم مجلس التعليم العالي والحكومة ببلورة خطة رسمية لتوسيع جهاز التعليم العالي العام ومعالجة ثغراته ونقاط ضعفه بحيث يأخذ في الحسبان احتياجات السوق وحق الجميع في التعليم العالي –من خلال زيادة التمويل العام- كان الحد من التوسع في الإنفاق على الجامعات الحكومية والسماح بتوسع القطاع الخاص وإطلاق عملية تقسيم جهاز التعليم إلى مسار عام ومسار خاص.

وأصبح الحال في سورية إلى إنشاء أنظمة ذات مسار مزدوج حيث يحصل الطلاب الأقل دخلاً على تعليم مجاني وفقاً لمعدلات القبول بصرف النظر عن رغبة الطالب في الاختصاص، بينما يحصل الطلاب الأعلى دخلاً على الاختصاص الذي يرغبون به سواء في الجامعات الحكومية (التعليم الموازي والمفتوح) أو في الجامعات الخاصة، وبهذا يمكن أن نطلق على التعليم العالي في سورية بأنه عبارة (وهم مجانية التعليم العالي) وتشمل هذه الخطط فرض رسوم غير الرسوم الدراسية.

وقدمت عدة توصيات باعتبار أن كل الجامعات تخضع لإشراف مجلس التعليم العالي، فهذا يستدعي إعادة النظر في معدلات القبول في الجامعات الخاصة وليترك للطالب حرية اختيار الجامعة بناء على سمعتها وليس على معدلاتها، أما التعليم الموازي فيجب أن يكون في جامعات مستقلة (مسائية) وليس على حساب الطاقة الاستيعابية، وإن كان لا بد من الحفاظ على سياسة التعليم الحالية، يفترض أقل ما يمكن أن يتبع وضع معايير قبول جامعية كما هو الحال في العديد من دول العالم التي تتبوأ مراتب متقدمة في سلالم التصنيف، فلا بد من وضع اختبار قبل الدخول إلى الجامعة.

شارك في الندوة عدد كبير من الشباب الجامعيين وممثلون لمنظمات فلسطينية شبابية ورفاق في الحزب الشيوعي واتحاد الشباب الديمقراطي السوري، وطُرح العديد من الأسئلة والاقتراحات والآراء حول هذه القضية التي باتت هاجساً يؤرق ويمس غالبية الشباب السوري.

وأجمع الحضور على النقطة الأساسية التي تمحور حولها النقاش، فخصخصة التعليم العالي هي حرب على الفقراء وحرمان لهم من أبسط حقوقهم بالتعليم المجاني الذي يعد حقاً مصوناً يحميه الدستور ويكفل وصول الجميع إليه، فالنضال في سبيل الدفاع عن هذا الحق لا يقل أهمية عن النضال في سبيل القضايا الوطنية الأخرى.

العدد 1105 - 01/5/2024