تسـرّب!

محمود هلال:

كل أنواع التسرب خطيرة، وقد تكون نتائجه كارثية، مثل تسرب الغاز في المنزل نتيجة عطل في صمام الأسطوانة أو من الأنبوب أو الجوان البلاستيكي، ويمكن لتسرّب صغير أن يؤدي إلى حريق كامل المنزل بأثاثه ومحتوياته، وكذلك تسرب المياه داخل المنزل يمكن أن  تهدمه وتتسبب بإلحاق الأذى بأهله وساكنيه.

وهناك حالات أخرى للتسرب لا تقل بنتائجها عن تسرب الغاز، مثل تسرب الأولاد من المنزل، إذ كثيراً ما نسمع أو نقرأ أن هناك شباناً خرجوا من المنزل ولم يعودوا، وذلك دون علم الأهل أو درايتهم، وقد تكون الأسباب تافهة أيضاً، إما نتيجة تأنيب الأهل أو مشادة كلامية أو مشاجرة بسيطة. وفي أغلب هذه الحالات قد يكون هذا الشاب المتسرب في مرحلة المراهقة، وهي المرحلة الصعبة في سن الطفولة، أي المرحلة الوسيطة بين الطفولة والشباب. إن هذه المرحلة صعبة للغاية على الأهل، وعلى الشباب أنفسهم، والمطلوب أن يدركوا مخاطرها لكي لا تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.

ومن أنواع التسرب أيضاً التسرب المدرسي، الذي تزداد نسبته من سنة إلى أخرى، وقد زادت النسبة كثيراً خلال سنوات الحرب، إذ أصبحت أعداد المتسربين من المدارس والمحرومين من التعليم تقدر بمئات ألاف الطلاب إذ وصلت النسبة إلى 8,12%، ثم انخفضت إلى 8% في العام الفائت، وذلك حسب تصريحات وزير التربية السابق.

قد تكون أسباب التسرب بسيطة، كأن لا يحب التلميذ معلم المادة، أو يكره مادة معينة، الأمر الذي يدفعه إلى الغياب عن المدرسة أو الهروب منها، وقد تكون هناك أسباب أعمق وأعقد من ذلك تخص العملية التربوية برمتها، وما يتعلق بالمناهج المدرسية وزيادة عدد المواد بالفصل الدراسي، وأساليب التعليم المعتمدة على التلقين وحشو المعلومات في رأس التلميذ ليحفظها ويبصمها دون فهم أو مناقشة، ليفرغها على الورقة الامتحانية وتنتهي القصة عند هذا الحد، دون أن يستفيد التلميذ من هذه المعلومات التي حفظها شيئاً.

وقد تكون هناك حالات أخرى تدفع بالتلاميذ إلى الهروب من المدرسة أيضاً، مثل الضرب والتأنيب والتوبيخ الشديد، إضافة إلى المنغصات الأخرى، مثل زيادة عدد التلاميذ في الشعبة الواحدة وحشرهم في المقاعد المدرسية، أو عدم توفر الشروط المناسبة في البناء المدرسي من باحات واسعة وملاعب ودورات مياه وغيرها، وتلك الأمور قد تخلق العقد النفسية للتلاميذ وتدفعهم إلى النفور من المدرسة وتفضيل اللعب واللهو والتسكع في الشوارع وفي الحدائق العامة وغيرها.

كثيراً ما نشاهد الجوقات من التلاميذ في الحدائق العامة يلعبون أثناء الدوام المدرسي، وأعتقد أن هؤلاء يمضون نهارهم في الحديقة وسيعودون ظهراً إلى منازلهم مثل باقي التلاميذ وكأن شيئاً لم يكن، وقد يمضون باقي أيام الفصل الدراسي في الحديقة وفي أماكن أخرى، وربما يقعون في مهاوي الرذيلة والانحراف، وأين يحط بهم المطاف وكيف تكون النهاية؟ الله أعلم!

أعتقد أنه من الضروري أن يكون هناك تواصل بين الأهل والمدرسة على نحو دائم من جهة، وتطوير للمناهج المدرسية ولأساليب التدريس من جهة أخرى، والعمل الجاد لإعادة المتسربين إلى المدارس وإقامة دورات مكثفة لتعويض ما فاتهم من معلومات ومهارات وغيرها، وذلك لتحقق العملية التربوية الغاية والفائدة المرجوة منها.

أخيراً هناك مقولة في هذا الخصوص تقول (الطالب ليس وعاء يفترض ملؤه، بل هو مشعل يطلب قدحه)، فهل نقدح الشرارة في عقول تلاميذنا وطلابنا وأذهانهم ليشعوا علماً ونوراً، وليكونوا بناة الوطن وحماته مستقبلاً؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024