باسم عبدو.. نجح في الرحيل وأخفق في الغياب!

د. عاطف البطرس:

لست ندّابة، لكن الحياة قست عليّ، فذهبَت بالذين أحبُّهم تباعاً، ففي كل عام أفقد صديقاً أو رفيقاً أو معلماً.. تباً لك أيتها الأيام ما أقساك!

كم مرة يستطيع الإنسان أن يشرب الكأس المرّة، كأس فراق الأحبة والندامى.. الموت حق.. يتساوى فيه الجميع، لكن ثمة فرق بين ميتة وأخرى، بين غياب في أوج العطاء، ورحيل بعد استنفاد الإمكانات العقلية والجسدية. موت يأتي بعد عطالة الجسد، وتوقف عن الإبداع والعطاء والفعالية هو موت يحمل في طياته عزاءه.

أما الموت في أوج العطاء فهو ما يشكل صدمة وخسارة من الصعب أن تعوض.

رحيل الأديب الصديق الرفيق باسم عبدو، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب في قمة عطائه، شكّل مفارقة ساخرة لنا، لأنه مازال في أوج عطائه السياسي والأدبي.

إضافة إلى كونه رئيساً لتحرير جريدة (النور)، فقد كان متنوع الأنشطة، يكتب الرواية والقصة القصيرة، والمقالة النقدية، واللقطات الساخرة، تلك السخرية المرّة الموجعة التي يلتقط مادتها من نبض الحياة ومعاناة المجتمع.

ثلاثة أعوام مرت على رحيله، افتقدنا فيه رئيساً للتحرير في جريدة النور، وعضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، وعضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، إذ بقي مكانه شاغراً، إلا أنه جرى ترميم الشاغر بعد مؤتمر الاتحاد الذي عقد قبل أشهر.

في ردهات اتحاد الكتاب العرب أتعرض دائماً لمواجهة مع العاملين فيه: أين جريدة (النور)؟ لقد كان باسم عبدو يحمل أعداداً منها يوزعها عليهم مجاناً، وبغيابه عن المكتب التنفيذي وعن الاتحاد، اختفت جريدة النور من مكاتب الاتحاد، وتوقف الاشتراك فيها على قلة الأعداد التي اشترك الاتحاد بها.

الأصدقاء.. المعارف.. يذكرون دائماً مناقب الفقيد الذي نجح في الرحيل، لكنه أخفق في الغياب، فهو مازال حاضراً بيننا في إنتاجه الأدبي، روائياً وقاصاً، وقد صدر له في العام الماضي عن الاتحاد كتابه (مفارقات ساخرة).

لماذا لا نعرف قيمة من نحب إلا بعد رحيلهم؟ يبدو أن ما تعتاد عليه ونألف حضوره تتضاءل مكانته بيننا، ولا نشعر بأهميته وقيمته إلا بعد فقده.

أخي باسم!

بعد ثلاث سنوات من رحيلك، حصلت متغيرات هامة في القضية التي نذرت حياتك من أجلها، وهي القضية الوطنية، فنحن اليوم نتحرك بحرية ولا نخشى قذائف الإرهابيين، وسورية على عتبات طردهم من كل الأراضي السورية.. ومواقف الدول المعتدية في تحول وإن لم يكن معلناً.. نحن على أبواب خلاص من الحرب الظالمة التي جرت فوق أرضنا واستهدفت الدولة السورية أرضاً وإنساناً ومؤسسات.. ما كنت تؤمن به وتقوله صراحة دون مواربة تتزايد القناعة به، على خلاف الوضع قبل رحيلك عنا.

مازلنا أيها الصديق على قيد الحياة، ننتظر انفراجات في كل القضايا التي كانت مجال حوار ونقاش بيننا قد يحتد أحياناً، لكننا مازلنا مؤمنين بقدرة بلادنا على تجاوز المحنة وتخطي آثار السنوات العجاف التي عبرت بنا.

يظن بعضهم أن الموت راحة، ومعهم بعض الحق، لكن الحياة أجمل (وعلى وجه هذه الأرض ما يستحق الحياة).. لن نستسلم مهما كانت الصعوبات، وإنّا على العهد باقون، وللأمانة أوفياء، حتى لو لم تنقق ما نأمله، فاليأس ليس لنا، نحن أبناء الحياة وسنعيشها بكل آلامها ومآسيها، لأن الغد سيكون بكل تأكيد أفضل من اليوم، والعالم في تغير مستمر، والحياة قاهرة للموت.

العدد 1104 - 24/4/2024