استنزاف.. معاناة.. عنوسة!

ريم الحسين:

قال لي أحد الأصدقاء ساخراً بجدية: هل تعلمين لماذا وصلت حتى هذا العمر دون زواج!؟ وأضاف: (في الحقيقة لأنني لا أريد بلاء معاملات الزواج! أهرب من أي معاملة مهما كانت في دوائر الدولة ألف ميل مهما كانت أهميتها)!

في هذا الحديث الساخر تكمن معاناة المواطن اليومية، ولولا ضرورات ومشقات الحياة لفضل البقاء بالمنزل على مغادرته منعاً للذلّ الذي يتعرض له يومياً أينما ذهب .

العشرات على الأفران يومياً كأنه اليوم الأخير لتوزيع الخبز في العالم متى ما ذهبت تجد الجدال والصراخ و(التدفيش) لتفضل شراءها من طفل أو امرأة بسعر أعلى على بعد أمتار. وليس حال الأفران أفضل من حال المواصلات، ففي كل مكان زحمة خانقة والعشرات بل المئات يسجلون (بطولات) يومية وكأن أحدهم، إذا ما وجد وسيلة نقل، كأنه حقق بطولة ماراثون دولية! هذا دون مقعد فارغ على الأرض وواقفاً والقرفصاء يمارس أنواع الرياضة كاملة حتى يخرج جزء منه من الشباك، وهذا الحال لأربع وسائل نقل جيئة وذهاباً في الغالب، أي أنك تصل إلى عملك منهكاً كأنك قادم من عمل آخر، وتصل إلى منزلك بعد ثلاثة أعمال. استنزاف يومي للمواطن وساعات ضائعة على الطرقات كانت عائلته أولى بها وأحق، أو أي عمل أو مهام أخرى، مما يؤثر سلباً، إن لم يكن على قواه العقلية، فعلى أدائه وإنتاجيته وكل مناحي حياته أينما ذهب في هذا الوطن الشاسع يجد المعوقات.

وبالعودة إلى حديث المقدمة، فإن كل معاملة، هذا طبعاً إذا استثنينا من يتقاضى الرشا، تأخذ أياماً وكأنه اختراع، عدا عشرات الطوابع والتوقيعات ووجوه تقطر السمّ من بعض الموظفين كأنه مالك الملك وتسعى للفضل والمنية.

ما سرّ الورقيات في هذا البلد؟ أين مشروع الأتمتة أو ما يُعرف بـ(الحكومة الإلكترونية) في هذه الفوضى؟

منذ القدم وهذه حال البلد: ما إن تتحرك خطوة للأمام حتى تعود خطوات للوراء . لماذا نمشي إلى الخلف ؟ هل حقاً نحن شعب لا يستحق التقدير ولا يستحق أن يعيش بكرامته؟ ألا يكفيه مصائبه وفقره وضيق حاله؟

لا تتزوج يا صديقي هذه البلد ظلمٌ فيها الزواج وإنجاب أطفال للحياة، ويصرح من هنا وهناك بارتفاع نسبة (العنوسة)!

العنوسة، يا سادة، ليست للفتيات، العنوسة مصطلح يطلق على كل الملفات التي لم تجد حلاً منذ عشرات السنين، العنوسة هي الذلّ الذي يعيشه المواطن في كل مكان!

العدد 1105 - 01/5/2024