انعكاس الأزمة على المرأة السورية

الرابطية المحامية ماغي دقاق:

إن سياسة الدولة هي، في أحد وجوهها، انعكاس لتقاليد مجتمعها وعاداته وأعرافه، وكذلك المجتمع، يجسد العقليات والصور النمطية السائدة في أجندة القوى السياسية التي تحكمه، إلا أن الظروف العامة والخاصة تتبدل في حالة الحرب، كما حصل ويحصل الآن في الأزمة السورية، التي انعكست نتائجها على النسيج الاجتماعي السوري بأكمله وخاصة على المرأة السورية.

لقد واجهت المرأة السورية صعوبات شتى، وعاشت أزمات عديدة، وحملت أعباء كثيرة وعلى جميع الأصعدة محاولة جهدها التأقلم مع ظروف الحرب.

1ـ على الصعيد الاجتماعي: إن الدمار الهائل الذي حدث، وهدم عدد كبير من بيوت ملايين الأسر، فاضطرت للبحث عن ملاذ آمن، جعل النساء يشعرن بالألم والحسرة والحرمان من أبسط حقوق الإنسان في العيش الآمن، كما أن الكثيرات فقدن الأب أو الأخ أو الزوج، ما زاد نسبة الأرامل واليتامى والعوانس، ونتيجة هذه الضغوط فقدت الثقة بالحياة ونقمت على المجتمع.

2ـ على الصعيد الاقتصادي: إن سرقة وتدمير المعامل وإغلاق الشركات والورش، أدى إلى بطالة هائلة، وأصبحت الآلاف من الأسر السورية تعيش تحت خط الفقر، فبات الجوع والبرد والعطش والظلام وعدم الاستقرار، أشباحاً تطارد المواطن السوري، وجاء التضخم الاقتصادي وغلاء المعيشة ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، وأصبحت المرأة في وضع لا تحسد عليه، واضطرت للحلول مكان الرجل الغائب أو المفقود أو الشهيد أو المعاق، الذي كان معيلاً فأصبح معالاَ، هذا الوضع المأزوم دفع آلاف النساء اللواتي كن ربات بيوت إلى سوق العمل لإيجاد دخل يساعد على سد رمق الأسرة، مما زاد من الأعباء الملقاة على كاهلهن، بل لاحظنا في الآونة الأخيرة أن هناك نساء اضطررن إلى ممارسة أعمال كانت في مجتمعنا خاصة بالرجال، كسائقة (سيرفيس) أو بائعة بسطة أو حرفية.

3ـ على الصعيد التعليمي: كثير من الفتيات لم يستطعن متابعة تعليمهن نظراً لظروف الحرب ومآسيها، فبعضهن أضعن سنوات دراسية لا يستهان بها، وبعضهن لم يستطعن الالتحاق بالمدرسة أصلاَ، مما زاد من نسبة انتشار الأمية بين النساء ما سينعكس سلباً على الأجيال القادمة.

4ـ على الصعيد الوطني: إضافة إلى ما أفرزته الحرب من ظواهر لا إنسانية، كالخطف والتهديد والابتزاز، كل هذه العوامل زرعت هواجس نفسية عند الكثيرات، وأضعفت اللحمة الوطنية، واضطر الكثير إلى الاحتماء بالأسرة أو القبيلة أو الطائفة وأحياناً بجماعات مسلحة بحثاً عن الأمان المفقود.

5ـ على الصعيد النفسي: ضغطت الحرب على المرأة، فعاشت أقسى حالات العنف بأبشع صوره، سواء بتزويج القاصرات أو الدعارة لقاء لقمة العيش، إضافة إلى العديد من حالات التحرش الجنسي والاغتصاب، وكذلك ما سمي جهاد النكاح، كما لعبت الظروف الأمنية دوراً في صعوبات التنقل وخروج كثير من المناطق من الخدمة الطبية، وعدم توفر الكثير من الأدوية، ما انعكس على الرعاية الصحية، فزاد تفاقم الحالات المرضية ما أدى أحياناً إلى الإعاقة أو الوفاة.

6ـ على الصعيد التشريعي: صدرت في ظروف الحرب بعض التعديلات القانونية نورد منها:

1ـ المادة 177من قانون الأحوال الشخصية التي تعرّف الطلاق التعسفي بأنه (الطلاق بإرادة الزوج المنفردة) أي دون أن يكون هناك موجب لهذا الطلاق، كانت المرأة تحتاج لشاهدين على أنها مصابة بالبؤس والفاقة ليحكم لها القاضي بالتعويض، وقد جاء التعديل بعدم اعتبار إصابة الزوجة بالبؤس والفاقة شرطاً لتعويضها عن الطلاق التعسفي، (لم يحددْ تاريخ تطبيق هذا التعديل) وفي هذا ظلم صريح للمرأة، فهي إضافة إلى طلاقها التعسفي تحرم من التعويض.

2ـ الدستور السوري ينص في المادة 25 منه على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، إلا أن القانون الخاص يقيد العام، وفيما يتعلق بالجنسية السورية لا يوجد نص يعطي المرأة حق منح الجنسية السورية لأولادها وزوجها، في حين أن أطفال جهاد النكاح منحهم القانون الجنسية السورية، نظراً أن الحرب خلفت آلاف الأطفال نتاج الاغتصاب وجهاد النكاح، في حين أن المرأة السورية مازالت تترقب حقها في منح الجنسية لأولادها وزوجها.

3ـ في 24حزيران 2018 صدر تعديل للمادة 469 من قانون العقوبات السوري المتعلقة بإبرام عقود الزواج خارج المحكمة المختصة، وعاقبت بالحبس والغرامة كل من يعقد زواج قاصر بكر خارج المحكمة المختصة دون موافقة من له الولاية عليها، لكن التعديل لا يعاقب من يعقد هذا الزواج إذا كان بموافقة وليها جزائياً، أي يستثنيه من السجن، ويجب أن لا يستثنى من ذك حتى تكون العقوبة رادعة.

4ـ كما عُدلت المادة 470 والمادة 471 والمادة 472 من قانون العقوبات المتعلقة بزواج المرأة خارج المحكمة، ومعاقبة كل من يتزوج بامرأة مع علمه ببطلان هذا الزواج بسبب زواج سابق، أو قبل انقضاء عدتها، أو دون توفر شروط الشهادة، أو أي سبب منصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية، كما شددت العقوبة بحق المتعاقدين وممثلي المتعاقدين وشاهدي العقد الذي حضرا الزواج بصفتهما هذه، وهذه التعديلات جيدة تحفظ حق المرأة.

وأخيراً يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن أي قرار سياسي أو تشريعي أو اقتصادي، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأسرة السورية وخاصة المرأة فيها لأنها عماد الأٍسرة، ومن المفروض وضع الخطط والبرامج لتفعيل دورها في صنع السلام ودفع عملية التقدم ونهضة بلدنا سورية التي أصبحنا بأمس الحاجة لتحقيقها.

العدد 1105 - 01/5/2024