ارتفاع الأسعار سبب رئيسي للأمراض الاجتماعية (1)

سليمان أمين:

أثرت الظروف الاقتصادية السيئة التي يعاني منها المجتمع السوري نتيجة الظروف الراهنة وضعف إدارة المؤسسات الحكومية بعدم وضع خطط ومشاريع مؤسساتية تعمل على تخفيف وطأة الغلاء الحاصلة منذ سنوات، إضافة إلى إصدار القرارات المجحفة بحق المواطنين، أثرت على الوضع المعيشي والاجتماعي للشعب.

إن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وغيرها من المواد التكميلية في الأسواق أدت إلى مشكلات اجتماعية وشخصية عديدة طالت معظم أفراد الأسرة، وعملت خلال السنوات الماضية على زعزعة الاستقرار النفسي والعاطفي لدى الفرد، كما أن سوء التغذية والمسكن السيئ أثر على سلامة الفرد من الناحية الفيزيقية والنفسية وقدرته على التكيف الاجتماعي, وقد عانى الكثير من المواطنين السوريين خلال سنوات الحرب من سوء تأمين المسكن بسبب عمليات التهجير التي حصلت نتيجة العمليات الإرهابية الحاصلة في مناطقهم, وهنا كان التقصير الحكومي لبعض الوزارات واضحاً جداً، ولن ندخل في تفاصيله الكثيرة والسيئة، فقد كتبت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي لسنوات عن جزء بسيط مما حدث ومازال يحدث ويكفي أن نستشهد بالأسر الذي مازالت تنام في الحدائق وفي الشوارع، وكذلك محاربة البلديات في كثير من المناطق لبسطات هؤلاء الفقراء، ونضيف أيضاً غلاء إيجارات العقارات وهي مازالت تشهد ارتفاعات كبيرة حتى اليوم دون وجود أي حلول لتلك المشكلات الكبيرة من قبل الحكومات المتالية.

كما كان للتضخم الاقتصادي تأثير كبير على الأسرة السورية، فارتفاع الأسعار أفرز العديد من المشاكل الاقتصادية التي أضحت واضحة وضوح الشمس على المواطنين السوريين، مثل زيادة معدل التضخم وارتفاع نسبة الإفلاس الشهري بين ذوي الدخل المحدود من المواطنين، بسبب الفارق الكبير بين دخل الفرد العامل (الرواتب) وأسعار المواد الاستهلاكية والضرورية للمعيشة, ويمكننا القول إن الراتب لا يكفي الأسرة سوى عدة أيام بأدنى مستوى معيشي.  وهذا أدى أيضاً إلى زيادة لجوء الكثير من المواطنين وخصوصاً الموظفين إلى الاقتراض من البنوك لسد الفجوة بين الدخل والنفقات. كما أدى ارتفاع الأسعار خلال السنوات الماضية إلى انتشار الظواهر السلبية في المجتمع السوري وقد باتت اليوم واضحة دون خجل ومنها:

الكسب غير المشروع كالرشاوى والعمولات وغيرها بين بعض ضعاف النفوس من العاملين في الوظائف الحكومية والقطاع الخاص.

انتشار المظاهر المسلحة كالخطف والتشليح و السرقة ..الخ وذلك بسبب الفقر الذي كان سببه الرئيسي غلاء المعيشة.

اتساع الفجوة بين الأغنياء ومحدودي الدخل من المواطنين, واندثار الطبقة الوسطى التي كانت تشكل النسبة الأساسية للمجتمع السوري.

زيادة الأمراض النفسية وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة، وانتشار الدعارة بشكل علني، إضافة إلى رواج المواد المخدرة والحشيش بين الشباب، وازدياد نسبة المدخنين بين الجيل الجديد ليشمل المراهقين والأطفال.

ارتفاع  نسبة التسرب المدرسي في كثير من المدارس، والذي لم يلق أي علاج. واتجاه الكثير من الطلبة والتلاميذ إلى عادات سيئة ومنحرفة، كالتدخين والمخدرات والألعاب النارية ..الخ، وهذا أدى إلى  تدني المستويات التعليمية للتلاميذ، ويمكن إرجاع ذلك لأسباب كثيرة تعود إلى سوء وضع الخطط التربوية والمناهج، وغياب المربين الأكفاء عن دوائر التربية والتعليم.

انشغال الأسرة بحل مشكلات وضعها المعيشي الاقتصادي الذي تغير نتيجة ارتفاع الأسعار والذي تسبب في إهمال تربية الأطفال تربية سليمة والانشغال عن همومهم خصوصاً في مرحلتي الطفولة والمراهقة، إذ تعتبر هاتان المرحلتان حرجتين تتطلبان أن يوليهما الآباء مزيداً من الرعاية والاهتمام، لما لهما من انعكاسات نفسية وتربوية تتضح نتائجها وتنعكس تأثيراتها مع مضي الوقت، وها نحن اليوم نرى أثر هذه الانعكاسات على الجيل الجديد، فالاستقرار المادي والمعيشي للأسرة يجعلها قادرة على الالتزام الاجتماعي تجاه أبنائها حتى لا تهتز قيمها الأخلاقية لحرمانها من الضروريات المادية اللازمة لاستمرار حياتها اليومية.

كما ساهم ارتفاع الأسعار وسوء الوضع المعيشي إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة إلى هجرة الكثير من الشباب والخبرات المهنية والعلمية خارج الدولة بطرق عديدة، كما ساهم أيضاً بنزوح الكثير من الأسر وهجرتها خارج البلد باحثة عن مستوى معيشي ونفسي أفضل لأطفالهم, وهذه الهجرات سوف نلقى نتائجها الكارثية في المستقبل القريب, ولم تلق حتى اليوم أي اهتمام حكومي سوى وعود وتصريحات فارغة غير عملية.

إن الآثار المجتمعية لارتفاع الأسعار كثيرة ومتنوعة وتأثيرها على المجتمع انعكس سلباً سلبياً على كل مناحي الحياة , وقد برزت ظواهره السلبية خلال السنتين الأخيرتين بشكل واضح، وقد طالت هذه الظواهر كل أفراد المجتمع، فلو تفحصنا الواقع الاجتماعي للدولة لوجدنا كيف كان لزيادة أسعار المواد الاستهلاكية آثار اجتماعية واضحة وجلية تمثلت ببعض الممارسات السلبية التي انعكست على الأنماط السلوكية لأفراد المجتمع.

فارتفاع الأسعار ترك بصماته وآثاره السلبية على المواطنين السوريين، الذين تشتت حياتهم وبات همهم الوحيد منصب بتأمين لقمة عيشهم اليومية، إضافة إلى حماية الأسرة والبيت من مظاهر الجريمة المنتشرة كالخطف والسرقة والتشليح ..الخ   ، وكل هذه الأمور أدت إلى حرمان الفرد والأسرة السورية من أبسط حقوقها بالعيش في أمان واستقرار ضمن المجتمع.

لقد كان لارتفاع الأسعار تأثير كبير أيضاً على العلاقات الزوجية فتأثرت سلبياً، وكان المجتمع أمام ارتفاع نسبة الطلاق بسبب عدم الاستقرار المادي للأسرة، كما أن الكثير من الشباب لم يعد الزواج وتكوين الأسر يهمهم، بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف والتكاليف المعيشية وعدم القدرة على شراء أو بناء بيت بسبب ارتفاع أسعار العقارات ومواد البناء إضافة إلى جملة القوانين التي ترهق المواطن في توفير مسكن له ضمن بلده، والذي أدى إلى ازدياد الظواهر الاجتماعية كالعنوسة والانحرافات الأخلاقية ومشاكل أخرى كثيرة.

العدد 1102 - 03/4/2024