الذكرى الـ 45 للمنعطف تشرين.. يوم سقط الوهم

 خمسة وأربعون عاماً مرّت على المنعطف الكبير الذي مثّلته حرب تشرين التحريرية، التي أسفرت عن سقوط أوهام وإظهار حقائق كانت في البال، تنتظر شحذ الإرادات، وصدق النوايا، ونبل المقاصد.

نجاحات جيشنا السوري في تلك الحرب، مهّدت لها حزمة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الإرادة الفولاذية التي عبّر عنها رجال قواتنا المسلحة، غير عابئين بمحاولات التيئيس، بعد نكسة حزيران ،1967 ولا بغطرسة الكيان الصهيوني الذي صدّق زعماؤه ما أوهموا به كثيرين، أن جيشهم لا يُقهر!

على الصعيد السياسي كان لحشد القوى الوطنية والتقدمية ممثلة بأحزابها أهمية كبرى في جمع كلمة السوريين، في إطار تعددية سياسية أزاحت عوامل الفرقة والخلاف والتفرد.

وعلى الصعيد الاقتصادي كان قطاعنا العام يقود العملية الاقتصادية باقتدار دون أن يتفرّد بها، مما سهّل توفير مستلزمات الحرب، وجنّب المواطنين معاناة الحصول على مستلزماتهم المعيشية.

أما على الصعيد الاجتماعي فقد كانت جميع أطياف شعبنا الدينية والطائفية والإثنية متلاحمة، منسجمة، تقف وراء جيشها الوطني بهدف تحقيق النصر الذي طال انتظاره.

ولعب العامل الخارجي دوراً أسياسياً، إضافة إلى العوامل الذاتية، وهذا ما عبّرت عنه آنذاك الصداقة السورية السوفيتية، التي أثمرت الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي، الذي ساعد على إحراز النصر.

لقد أظهرت حرب تشرين التحريرية أنه في المنعطفات الكبرى لا بديل عن جمع كلمة السوريين الذين وقفوا ضد الإرهاب التكفيري، والاستناد إلى القاعدة الشعبية الكبرى، والعمل على تلبية مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا هو بالضبط ما تتطلبه المرحلة الراهنة التي تمر بها بلادنا اليوم، وجيشنا الباسل يضع الخاتمة للغزو الإرهابي الفاشي، الذي دعمته القوى الدولية المعادية للشعوب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

فبالاستناد إلى دعم هذه الكتلة الشعبية، استطاع الجيش السوري أن يصمد، لا في وجه الإرهابيين ومسانديهم فقط، بل أن يبدأ باقتلاعهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها، فاتحاً الآفاق أمام العملية السياسية، في إطار جهود دولية لإنهاء الأزمة السورية بالطرق السياسية.

ومثلما أدّت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية دورها البارز في النتائج التي أسفرت عنها حرب تشرين التحريرية، سيكون لهذه العوامل أهمية مماثلة في المنعطف الكبير، الذي يمثله اليوم النصر النهائي على الإرهابيين، والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والتوافق على رسم ملامح سورية المستقبل.

التمسك بالتعددية السياسية والاقتصادية، بالاستناد إلى دستور ديمقراطي علماني، وعودة النسيج الاجتماعي إلى التلاحم عبر مصالحات وطنية كبرى، ووضع خطط حكومية لإعادة الإعمار في إطار عملية تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، ووضع حد نهائي للفساد الذي أرهق الوطن والمواطنين، والعمل لعودة المهجّرين والمهاجرين، كل ذلك يشكل عوامل أساسية، ستؤدي إلى النجاح في اجتياز هذا المنعطف الكبير الذي يعدّ الأخطر في تاريخنا المعاصر.

ومثلما نجح شعبنا وجيشنا في إسقاط الوهم في حرب تشرين التحريرية، فإنهما سيرفعان قريباً علامة النصر النهائي على الإرهابيين، وعلى الوجود العسكري الأمريكي والتركي على الأرض السورية.

العدد 1105 - 01/5/2024