الشباب الراغبون بالزواج ومشكلة السكن

ديمة حسن:

يكاد لا يخلو تصريح أي وزير أو مسؤول ضمن الحكومة السورية من دعوات للسوريين عامة وللشباب خاصة للعودة إلى البلاد، كما لا تخلو التصريحات من دعوات للتمسك بالأرض والصمود لمن بقي في الداخل.

وبالطبع فإن هذه الدعوات هي دعوات مشروعة وواجبة وتصب ضمن المصلحة العليا للوطن في استعادة أبنائه وتثبيتهم.

ولكن هل تكفي دعوات شكلية  كهذه لإعادة من هُجِّر وهاجر؟! وهل تكفي للحفاظ على من بقي؟!

إن هذه الدعوات وكما يقول المثل الشعبي ( لا تطعم خبزاً)، فهي مجرد كلام مصفوف شكلياً، ولم تقترن فعلياً بأي قرار أو أي عمل حقيقي على أرض الواقع لإعادة الثقة الضائعة بين المواطن والحكومة.

ولعل الشرخ الأكبر في الثقة ناتج عن سوء الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين، بل ترديها، ووقوف الحكومة متفرجة، بل ومشاركة في كثير من الأحيان في زيادة الوضع المعيشي السيئ للشريحة المفقرة، وعدم تقديم أي حلول تعينها على بلائها من حرب قضت على آمالها في الحياة الكريمة التي يتمناها الإنسان، إضافة إلى وقوف الحكومة في كثير من الأحيان في صف المستغلين من تجار وأثرياء جدد يستبيحون ما يحلو لهم من قطاعات دون حسيب أو رقيب.

إن تردي الأوضاع الاقتصادية ينعكس على كل نواحي الحياة من مأكل ومشرب وملبس إلى التعليم والصحة وصولاً إلى السكن، هذه المشكلة القديمة الحديثة التي لم تغب عن الساحة السورية منذ عقود مضت، فهي ليست وليدة للوضع الحالي للبلاد، غير أن الأحداث الأخيرة قد فاقمت من حجمها.

فلطالما كان تأمين منزل صغير من أهم أحلام الشاب السوري، وعلى الرغم من أهمية السكن كعامل من عوامل الاستقرار للفرد والأسرة، وعلى الرغم من دوره في تحقيق التوازن والاستقرار للمجتمع، إلا أن هذا العامل لم ينل اهتماماً كافياً من الحكومات المتعاقبة على البلاد، فظل امتلاك السكن حلماً صعب المنال، ولم يُتعامل معه على أنه حق مشروع على الدولة أن تكفله لمواطنيها.

ثم أتت الأحداث وزادت الطين بلة، فالحلم الذي كان صعب المنال بات اليوم مستحيلاً حتى أن سقف طموحات المواطنين السوريين قد انخفض، فلم يعد أحد يبالغ في أحلامه الوردية بالتملك، واقتصر الحلم على إيجاد سكن بالأجرة بسعر مقبول.

ولكن حتى الإيجارات لم تعد مقبولة، فهي لا تتناسب أبداً مع دخل المواطنين المتدني، وفوق كل ذلك فإن عقود الإيجار تسجّل بمبالغ وهمية صغيرة غير تلك التي يتقاضاها مالك العقار، في سعي ناجح للتهرب الضريبي، أحد أهم أشكال الفساد في البلاد.

مشكلة السكن ليست محدودة بفئة الشباب الراغبين في الزواج وبناء أسرة فقط، بل يتعداها إلى ملايين السوريين الذي فقدوا منازلهم وممتلكاتهم خلال سنوات الأزمة السورية.

إن على الحكومة اليوم الخروج من قصرها العاجي والتواصل مع المواطنين، والعمل على إيجاد حلول حقيقية سريعة لمشاكلهم التي تتفاقم يوماً بعد يوم وخاصة فيما يتعلق بتأمين المأوى.

فإن كان الوزراء غير متضررين من هذا الموضوع باعتبار أنهم يحصلون على سكن مجاني في أجمل مناطق دمشق، فإن ذلك لا يعني وقوفهم متفرجين لا مبالين بهموم شعبهم الذي لربما ما يزال لديه شعاع أمل بحــــــكومة لم تــــــفده شيئاً حتى الآن.

وبالتأكيد فإن هناك الكثير من الحلول لمعالجة هذه المشكلة على الرغم من صعوبة الوضع الحالي للبلاد، ولكن الحل غير مستحيل، ونظراً لعدم قدرة معظم السوريين على شراء البيوت فقد يكون إنشاء مجمعات سكنية من قبل الدولة وتأجيرها بأسعار مدروسة ومراقبة تتناسب مع الدخل السيئ للأفراد، الذي تعرفه الحكومة حق المعرفة، قد يكون حلاً مقبولاً في الوقت الحالي.

ومما لا شك فيه فإن هناك الكثير من الوطنيين الشرفاء الذين يحاولون اقتراح حلول جيدة للكثير من المشاكل التي يعانيها المواطنون، ولكن باعتبار أن الحكومة قد أدارت أذنها الطرشاء دائماً باتجاه الشعب، فهي لن تسمع شيئاً ولن تصلها هذه المقترحات.والأجدر بها اليوم أن تركز اهتمامها في المشاكل الحقيقية للمواطنين السوريين، وتقدم حلولاً فعلية ملموسة، بدلاً من انشغالها بتشريعات من شأنها توسيع الهوة بينها وبين المواطن، وبين المواطنين أنفسهم من جهة ثانية، علها تجد في النهاية من يترحم عليها عند ذكرها يوماً في كتب التاريخ.

العدد 1104 - 24/4/2024