المطلوب بيئة استثمار حقيقية

فؤاد اللحام: 

ما يزال مشروع قانون الاستثمار الجديد قيد المناقشة واقتراحات التعديل، سواء من قبل الجهات الحكومية المعنية أو من المهتمين بهذا الموضوع من الباحثين والمختصين والمستثمرين. العديد من الملاحظات والخلافات في الرأي ما تزال تظهر بشكل متجدد مع كل نسخة جديدة من مسودة هذا المشروع. وهي بالتأكيد ملاحظات هامة وجوهرية، في مقدمتها تحديد تبعية هيئة الاستثمار التي تنقسم بين رئاسة مجلس الوزراء أو وزارة الدولة لشؤون الاستثمار أو وزارة الاقتصاد، وكذلك عضوية مجلس الاستثمار ومجلس إدارة هيئة الاستثمار، والتخفيضات الضريبية والحوافز الممنوحة للأنشطة الانتاجية والسياحية والضمانات وغيرها.

التعديلات الجديدة على مشروع قانون الاستثمار، وبضمنها الحوافز والإعفاءات، على الرغم من ضرورتها وأهميتها، ليست هي العنصر الضامن الوحيد والكافي لخلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات، بل هي أحد عناصره ومكوناته. وتجربة السنوات الماضية سواء في تطبيق القانون رقم 10 السابق أو المرسوم رقم 8 الحالي تؤكد، أن بيئة الاستثمار لا تختصر بالإعفاءات، بل هي حزمة متكاملة من المكونات ما زلنا نحاول توفيرها دون تحقيق المطلوب حتى الآن، وفي مقدمتها ما يلي:

1- إن تبسيط الإجراءات واختصار الفترة الزمنية التي تتطلبها عملية التشميل والترخيص والحصول على الموافقات العديدة التي تلي ذلك، لا تقل أهمية بالنسبة للمستثمر من الإعفاءات إن لم نقل بقدرها أو أكثر منها، والتي هي في بعض البلدان لا تتعدى العلم والخبر، وفي بعضها الآخر لا تتعدى الساعات أو بضعة أيام، بينما حددها المشروع بستين يوماً، ومن يدري هل يجري الالتزام فعلاً بهذه المدة أم لا؟ ذلك أنه من المعروف أن الفترة ما بين إنجاز دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، ودخوله مرحلة الإنتاج تعتبر من أهم وأخطر مراحل تنفيذ المشروع بالنسبة للمستثمر، بسبب المخاطر التي يمكن أن تبرز خلال هذه الفترة مثل منافس جديد أو تبدلات في الأسواق أو ارتفاع في التكاليف اكبر مما هو موجود حالياً أو متوقع … الخ. وذلك أن أي مستثمر يرغب في تنفيذ مشروعه ودخوله مرحلة الإنتاج في أقصر فترة ممكنة. وهذا الأمر لا يُحلّ فقط بإحداث النافذة الواحدة التي تشمل كل الجهات المعنية بالتشميل والترخيص، بل أيضاً بمستوى ممثلي هذه الجهات في هذه النافذة وصلاحياتهم وكفاءتهم، وينطبق ذلك أيضاً على الجهات الأخرى التي يبرز دورها بعد الحصول على قرار التشميل أو الترخيص.

2- إن بيئة الاستثمار تتطلب ضمان توفير شروط النزاهة والشفافية، وإفساح المجال لمن يرغب في دخول المجال الاستثماري الذي يريده دون فرض قيود معلنة أو غير معلنة على هذا المجال أو ذاك، ودون الحاجة إلى رعاية وتبريك هذا الطرف أو ذاك، أو فرض شراكة شكلية مجانية معه بالإكراه في المشروع الذي يزمع إقامته، أو دون دفع نسب معينة لأفراد يشكلون الممر الاجباري لإقامة هذا المشروع أو ذاك، خاصة إذا كان من المشاريع الهامة، أو تفصيل قرارات وتعليمات وتلزيمات بشكل مسبق لصالح متنفذين قدامى ومتجددين وجدد.

خلق البيئة الصحية المناسبة للاستثمار سواء الداخلي أو الخارجي هي أداة هامة في معالجة نتائج الحرب التي تجري في سورية وعليها، وهي فرصة كبيرة من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني بشكل عام والصناعة السورية بشكل خاص بسرعة وكفاءة، وهي تتطلب رؤية وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من مرحلة ما قبل الأزمة وخلالها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، للانتقال بسورية إلى بلد ناهض. ومن دون ذلك فإن قانون الاستثمار ينضم إلى قائمة قوانين رفع العتب التي تصدر دون تهيئة الشروط اللازمة لتنفيذها أو التي يجري إفراغها من مضمونها وإبعادها عن غايتها من خلال تعليماتها التنفيذية.

العدد 1105 - 01/5/2024