الخلل.. من عصر الآلة إلى عصر خداع العقل!!

سامر منصور:

طالب شوبنهاور بوضع قانون ينظم علاقة الإنسان بالعلم، ذلك أن المنجزات العلمية متقدمة أكثر بكثير من وعي الإنسانية ومن القيم والمبادئ السامية التي تؤهلها لتُحِلَّ محلّ الصراع قيمَ التعايش والتعاون التي تضمن نهضة متكاملة لهذا الجنس. ولكن بقي الإنسان أكثر كائن مبدع في القتل وإلحاق الأذى بنفسه. ومن أحدث ابتكاراته في هذا المجال المخدرات الرقمية، وهي نغمات وذبذبات لها تأثير على الدماغ، كالذي تحدثه المخدرات الشهيرة- التقليدية.

ورغم أن مضارها على سائر أعضاء الجسد شبه معدومة، إلاّ أنها بلا شك تشكّل انتصاراً على المساعي التشريعية والشرطية والتجارية والطبية التي تبذلها عدة وزارات في كل دولة لوأد تعاطي المخدرات. بمعنى أن المخدرات الرقمية هي ثورة في عالم تعاطي المخدر، وتهديد بعدم إمكانية الاحتواء لمثل هذه الظاهرة تعيدنا إلى فكرة أن السبيل الأجدى لصيانة الجنس البشري هي عبر رفع سوية الوعي والثقافة، وليس عبر العقوبات والمصادرات والرقابة الخانقة، كما أنها مؤشر خطير إلى ما نحن مقبلون عليه.

وكي لا نقصر رؤيتنا عند هذه النقطة التي نالت منذ عام حقها من تسليط الضوء، سأنطلق للحديث عنها كمؤشر وعتبة أولى لظواهر أخطر، فإن راقبنا العصور الأخيرة التي حملت مسمّيات تدل على ابتكارات قلبت حياة الإنسان وأثّرت فيها على نحو كبير، مثل عصر الآلة وعصر التكنولوجيا وعصر التكنولوجيا الذكية، فأنا أجزم، وقد قلتها في أبحاث ومقالات سابقة، أن العصر القادم سيكون عصر العوالم الافتراضية، حيث سيكون للإنسان حياتان: واحدة حقيقية، وأخرى افتراضية، والعصر الذي يليه سيكون عصر خداع العقل، حيث الطعام وبلوغ النشوة الجنسية ومختلف الأحاسيس ستتحقق بطريقة شبيهة بطريقة المخدرات الالكترونية، وقد سبق أن جرى التلاعب بحاجات الناس وعاداتهم ورغباتهم عبر التلاعب بعقولهم، في نطاق التنويم المغناطيسي. إن التلاعب بكيمياء الجسد وكهرباء الدماغ وغيرها لطالما كان له نتائج مرعبة، فبإمكانك جعل إنسان خرج من مجزرة مات فيها كل أفراد أسرته يضحك بجنون، إن أنت عرّضته لاستنشاق غاز الضحك. إن مبالغ مالية كبيرة يجري إنفاقها في هذا العالم على صناعة وتطوير الأسلحة إلى هذه اللحظة. إننا في عالم يتفنن بطرائق الإبادة، وبديل الإبادة هو السيطرة على الأدمغة وإلغاء إرادة الآخر وتسخيره، ولعلنا سنجد رجلاً من لحم ودم مطيعاً مثل رجل آلي قبل أن نجد رجل آلي مطيع بالكفاءة ذاتها في الأداء الاجتماعي.

العدد 1104 - 24/4/2024