الولايات المتحدة الأمريكية..انقلاب سياسي أو مسرحية؟

جريدة النور

أنطوان شاربنتيي:

يصادف 11 أيلول ذكرى التفجيرات البشعة والمؤلمة التي ضربت أمريكا في 2001. لكن هذه السنة كان لهذه الذكرى طعم أكثر مرارة، بمناسبة صدور كتاب (الخوف.. ترامب في البيت الابيض)، للكاتب والصحفي الشهير بوب ودوورد، الذي فضح قضية ووترغيت (1974)، التي كلفت الرئيس نيكسون استقالته. بوب ودوورد يفضح في كتابه الجديد كثيراً من التفاصيل عن شخصية الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب وتصرفاته. يعتمد الكتاب على عدة شهادات لأشخاص ومسؤولين أميركيين تعاونوا وعملوا مع سيد البيت الأبيض.

ما إن أعلن عن الكتاب حتى انقسم الرأي العام الأمريكي والعالمي بين مؤيد لكتاب بوب ودوورد ومناهض له.

فبينما يعطي البعض أهمية للكتاب، فإن آخرين ومنهم الرئيس نفسه يكذّبون كل ما ورد فيه.

هناك بعض الآراء التي تقول إن كل هذا مسرحية وتوزيع أدوار بين المسؤولين الأمريكيين.

لكن الأهم هو طرح بعض الأسئلة التي نستطيع من خلالها فهم التوقيت والهدف من إصدار كتاب بوب ودوورد.

كيف لشخص كترامب أن يصبح رئيساً لإحدى أقوى الدول في العالم؟ فكل من تابع الانتخابات الرئاسية الأمريكية يعرف أن حظوظ ترامب في الفوز بالرئاسة كانت ضئيلة لعدة أسباب ، منها رداءة أدائه السياسي، رغم أن هذه سمة أغلب الرؤساء الغربيين منذ عام 2000.

فأولاً، انتخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بسبب الانحطاط الثقافي، وانعدام الثقافة السياسية عند أغلبية الشعب الأمريكي. لسوء الحظ في أيامنا هذه، لكي يصل سياسي غربي إلى سدة الحكم، ما عليه إلا تخويف الشعب بالهجرة والمهاجرين، والإرهاب، وهي كلهاكنتيجة حتمية لسياسات الغرب في العالم. فضلاً عن الوعود بتحسين الاقتصاد الذي لا تستفيد منه في أغلب الأحيان إلا النخب.

أما ثانياً فهو قبول الرئيس ترامب بالشروط الخارجية وخصوصاً الإسرائيلية منها حول انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران. عند ذلك بدأت البرباغندا عملها وأصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

إن تصرفات ترامب ومواقفه التي خلقت له مشاكل مع إدارته ومع القوى السياسية والاستخبارية الأمريكية، يعطي أهمية إضافية لكتاب بوب ودوورد، لأنه يأتي في هذا السياق، ويزيد من تهاوي شعبية الرئيس الأمريكي ومعه بعض الشيء الولايات المتحدة الأمريكية.

فبعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وإعلانه حرباً اقتصادية عالمية. وجد نفسه في أزمة مع حلفائه الأوربيين الذين أخذوا بالاستدارة تجاه دول كبرى بحالة تناقض وعداء بعض الأحيان مع الخط الغربي في العالم، ومنها روسيا والصين، وبالتالي لن يستطيع ترامب إخضاع إيران ومعها محور المقاومة.

اعتقد العالم أجمأبان حرباً نووية ستندلع ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، بسبب المجادلات الإعلامية والتويترية والتصريحات الاستفزازية ما بين رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ثم غيّر هذا الأخير رأيه ووصف الرئيس الكوري الشمالي بالنزيه وذهب إلى لقائه في قمة سنغافورة الشهيرة.

أتت بعدها قمة هلسنكي التي اعتبرتها الإدارة الاميركية قمة الذل، خصوصاً أن المسؤولين الأمريكيين يبحثون عن صنع معادلة شبيهة بالحرب الباردة. لكن ترامب لن يستطيع تثبيت هذه المعادلة.

رغم أن هناك شريحة كبيرة ما زالت تؤيد الرئيس الأمريكي الحالي، وتأمل بتحسين الاقتصاد أكثر فأكثر. إلا أنها قد تخسر في أي وقت ما جنته اقتصادياً في عهد ترامب. فأكثرية الشعب الأميركي تناهض شخصية ترامب وسياسته. وها هي البروباغندا تأخذ الخط المعادي وتنقلب على ترامب.

وأخيراً، فإن مشكلة ترامب هي مرض جنون العظمة الذي جعله لا يدرك أنه ليس هو الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كسائر الرؤساء السابقين مجرد واجهة سياسية. فكلنا يعلم أن الإدارة الأمريكية لها نظرة ومشروع سياسي لعدة سنين، والرئيس الذي ينتخب عليه اتباع هذا المشروع. وهنا تكمن مشكلة دونالد ترامب، فتكبّره وعنهجيته جعلتاه يظن أنه هو من يقرر سياسة أمريكا، وأراد فرض إرادته بالقوة على الإدارة الأمريكية. وهذا ما يفسر، إلى حد ما، الحرب القائمة بين البيت الأبيض والبنتاغون من جهة، وبين الرئيس دونالد ترامب وأجهزة المخابرات الأمريكية من جهة أخرى.

فضلاً عن تأزم أمريكيا في سوريا وفي كل منطقة الشرق الأوسط. في هذا السياق يفضح بوب ودوورد في كتابه أن الرئيس ترامب أمر وزير الدفاع الجنرال ماتيس، المشهور بجنونه حسب الإعلام الغربي، بقتل الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن الوزير لم يكترث. موقف ترامب ليس مفاجئاً بقدر ما يحمل موقف الجنرال ماتيس من واقعية. موقف ترامب لا يعبر إلا عن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط المعتمدة منذ سنين على القتل والاغتيال والتدمير.

فقد اعتقد دونالد ترامب أنه ما يزال في عهد جورج بوش الابن، ولم يعلم أن موازين القوى تغيرت على الأرض منذ زمن طويل، لصالح المحور المناهض لسياسات أميركا في العالم. من هنا تنبع واقعية الجنرال ماتيس وعدم الاكتراث لأوامر ترامب، ولو تلقى الجنرال ماتيس أمراً مماثلاً في عهد جورج بوش الابن لكان انصاع للأمر.

سيتهاوى ترامب مجدداً في الانتخابات النصفية التشريعية التي ستقام في شهر تشرين الثاني (نوفمبر). وسيتقلص دوره على الساحة الدولية، وسيبقى على وقاحته وخطابه السياسي الخالي من كل معايير الاحترام، مترافقاً ببعض التغريدات (التويترية) غير المتوازنة.

يبقى أحد أهم أهداف كتاب بوب ودوورد هو الوصول إلى هذه النتيجة، أي تحجيم دونالد ترامب، وعزله بعض الشيء، لأنه في كل الأحوال ومهما طالت لائحة الفضائح فإنه لن يستقيل.

من هذا المنطلق فعلى محور المقاومة استغلال الفرص للتقدم على عدة أصعدة وجبهات وميادين، تحسباً لقدوم إدارة أميركية جديدة بعد ترامب أو في حال استلمت القوى المعارضة السلطة. بكل حال على محور المقاومة أن يقبض على زمام الأمور أكثر مما هو عليه الأن، على أمل ولادة نظام اقتصادي جديد بالتوازي مع نهاية ولاية ترامب.

  • صحفي وكاتب سياسي
العدد 1105 - 01/5/2024