قراءة في الانتخابات السويدية الأخيرة

طلال الإمام_ السويد:

رغم مضي أسبوع على الانتخابات التشريعية الدورية في السويد، مازالت وسائل الاعلام المحلية و الخارجية على السواء تتناول نتائجها في خبرها الأول. السبب الأساسي هو أن السويد وقعت في مأزق، فالكتلتان الأكبر: اليسار (ويطلق عليه تحالف الحمر والخضر) حصل على 144مقعداً، مقابل 143 لتحالف اليمين. أما حزب ديمقراطيّي السويد (وهو حزب عنصري يميني متطرف ذو أصول فاشية ومعادٍ للأجانب) فقد حصل على 62 مقعداً بنسبة حوالي 17 في المئة من أصوات الناخبين، أي ما يقارب اكثر من مليون ناخب. الكتلتان ترفضان لحد الآن التعاون مع هذا الحزب، وفي الوقت ذاته لا تملك أي من الكتلتين الأكثرية التي تؤهلها وحدها لتشكيل حكومة. ويجري الآن تداول العديد من الحلول ومن ضمنها إعادة الانتخابات.

بودّي التوقف عند نقطة واحدة تشغل حيزاً كبيراً من السجالات الدائرة حول هذه النتائج، وهي التقدم الكبير الذي أحرزه الحزب العنصري (حزب ديموقراطيي السويد) بحصوله على زيادة أكثر من ثلاثين في المئة، مقارنة بالانتخابات الماضية، فقد كان عدد مقاعده آنذاك 49 مقعداً. السؤال الأهم: لماذا حصل ذلك؟ لماذا يتقدم حزب يمني/ عنصري متطرف، بهذا الشكل؟ الإجابة عن هذا التساؤل ليست سهلة، وسنحاول إلقاء الضوء على أهم العوامل.

بدايةً لابد من الإشارة إلى أن ثمة محاولات، مقصودة وغير مقصودة، لتفسير أسباب صعود هذا الحزب، بسبب سياسة اللجوء، وما ينجم عنها من مشاكل اجتماعية، اقتصادية، وغير ذلك. بكلمة: تحميل الأجانب مسؤولية تصاعد نفوذ الحزب العنصري.

أعتقد أن هذا بمثابة ذَرّ الرماد في العيون والابتعاد عن الأسباب الجوهرية، دون نكران أن سياسة اللجوء والتعامل مع الأجانب هي جزء من المشكلة وليست السبب الوحيد، كما تحاول العديد من وسائل الاعلام الإيحاء. ثمة عدة أسباب جوهرية:

أولاً_: إن السبب الأساسي برأيي ينحصر في أن شكل النظام السياسي الاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائداً، في السويد وأوربا بعد الحرب العالمية الثانية، قد استنفد أسباب وجوده، وأنه يسير نحو أزمة عميقة وشاملة. نعم، حقق هذا النظام إنجازات كبيرة لشعوبه لا يمكن نكرانها، وقد يحاول دفع أزمته، تأجيلها، ترقيعها لإطالة عمره وقد ينجح ولكن مؤقتاً، إذ يلاحظ أن صعود اليمين المتطرف والأحزاب العنصرية يرفع رأسه في العديد من البلدان الأوربية، حتى تلك التي يكاد أن يكون وجود اللاجئين فيها شبه معدوم. إذاً، المشكلة ليست هنا. لكن يبدو أن النظام القائم لا يريد الإشارة إلى الأسباب الرئيسية.

ثانياً_ تتعاظم الهوة الطبقية بين الناس، يجري الانقضاض على الإنجازات التي تحققت، وذلك بفعل سياسة الخصخصة وانفلات رأس المال الريعي، البنكي الربوي من عقاله (النيوليبرالية).

ثالثاً_ بفعل تلك السياسات، يزداد أيضاً التطرف في المجتمع وترتفع نسب الجريمة، المخدرات، السرقات …الخ.

رابعاً_ فشل سياسة الاندماج وسياسة اللجوء التي تتبعها السويد والبلدان الأخرى، والتي توضع، كما يبدو، وفق حاجات وأجندات لا علاقة للحكومات المحلية في حالات كثيرة بها، وإنما هي مفروضة فرضاً من خارجها.

لكن، من الذي صوت للحزب العنصري المعادي للأجانب؟

أعتقد أن ابتعاد الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية عن الحديث الإيديولوجي، الذي كان يميزها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثلاً، إضافة إلى غياب برامج واضحة تلاقي هموم الناس، أدّيا الى ابتعاد الناخب عنها وعن العمل السياسي والمجتمعي، وخصوصاً من الشباب، لأنهم لا يرون فروقاً بين اشتراكي ديموقراطي وليبرالي يميني مثلاً.

يبقى حزب اليسار هو الأوضح في برامجه، لذلك زادت أوساطه نحو النصف، وصوّت له عدد كبير من الشباب.

كما أن زيادة أعداد المتضررين من سياسة الخصخصة وتعاظم الفروقات الطبقية لعبا دوراً. إن عدداً من المتقاعدين الذين هم الطرف الأضعف في المجتمع من حيث دخلهم البائس صوتوا لهذا الحزب العنصري، ربما كعقاب للأحزاب الاخرى التي يشعرون أنها تخلت عنهم. وهناك من صوت لهذا الحزب بسبب فشل سياسة الاندماج واللجوء. لقد لعب حزب ديموقراطيي السويد بشكل جيد على هذا الوتر، فهو يركز ويبرز فقط الجوانب السلبية لدى السويديين الجدد، متغاضياً عمداً عن النماذج الجيدة، ومحاولاً رد أسباب الجريمة والآفات الاخرى في المجتمع إلى اللاجئين فقط. المؤسف أن هناك عدداً من الأجانب وقعوا في فخ دعاية تضليلية من الحزب العنصري، متصوّرين أنه ضد الإسلام والمسلمين ومع المسيحيين (كذا)، فصوتوا له من منطلق تعصب/ تطرّف ديني.

ماذا بعد.

قد يتمكن النظام السياسي القائم ممثلاً بأحزابه من تجاوز أزمته الراهنة بشكل من الأشكال، لكن أزمته البنيوية لم يعد ينفع معها الترقيع. كيف؟ ذلك هو السؤال المطروح أمام قوى التغيير الحقيقي.

العدد 1105 - 01/5/2024