بالقانون نعيش الديمقراطية

إيناس ونوس: 

بدأ تداول مصطلح الديمقراطية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وعُرِّف على أنه حكم الشَّعب نفسه بنفسه، من خلال مشاركة جميع المواطنين المؤهَّلين على قدم المساواة، إما بشكلٍ مباشرٍ، أو من خلال ممثلين عنهم، بعيداً عن التَّفرُّد بالسُّلطة، الذي يفضي حتماً إلى التسلُّط، والخضوع لرأيٍ واحدٍ فقط.

 ويحمل هذا المصطلح معاني كبيرة ًوعامة، فإن اقتصر استخدامنا له بكونه توصيفاً لنظام الحكم السِّياسي، فإننا نضعه في إطاره الضَّيِّق المحدود بجانبٍ واحدٍ، في حين أنه يصلح لأن يتوسَّع ويعبّر بالمعنى الأعمّ والأشمل، حينما يوصف كثقافةٍ مجتمعيةٍ كاملةٍ متكاملةٍ، تنعكس بأشكالٍ عدَّةٍ، الأخلاقية منها والتَّربوية والسُّلوكية والثَّقافية ووووو إلخ..

فالديمقراطية هي سلوكٌ ينهجه الفرد مهما كانت صفته، انطلاقاً من البيت، وهي أسلوب تعاملٍ يعتمد على ضرورة الاعتراف بالآخر، والأخذ برأيه، ومن ثم التَّشاركية معه في مختلف جوانب الحياة، هذا السُّلوك يتعلمه الفرد في بيته أولاً، ومن ثم ينطلق به نحو الشَّارع والمدرسة والمجتمع برمته، يقوم على جملةٍ من القواعد:

أولاً: الابتعاد عن الفردية في تسيير شؤون المنزل من قبل أحد الأبوين، أو من قبلهما معاً.

ثانياً: مشاركة باقي الأفراد في كلّ ما يخصّ أمور العائلة حتى منذ الصِّغر.

ثالثاً وأظنها من القواعد الأكثر أهميةً: اعتماد القاعدة التي تقول إن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، فإن اكتسب الفرد هذه الأمور منذ صغره، نشأ وترعرع، فغدت بالنسبة إليه سلوكاً يومياً، في كل ما يتعلق بقضاياه مع الآخرين، ولأن المجتمع هو مجموعة أفرادٍ، فإنه بالضرورة سيكتسب السُّلوك ذاته، حينما يكون أفراده جميعاً متمكنين منه، ومقتنعين به. إلاّ أن التربية في مجتمعٍ كمجتمعنا لا تزال قائمة على الاستبداد، وفرض الرأي، من قبل الأهل، أو أحد الأبوين، انطلاقاً من أنهم يمتلكون من الخبرة والمعرفة، ما يفوق أولادهم، مع رفضهم للقبول بالتغيرات التي تطرأ بطبيعة الحال على الحياة، وهنا تبدأ الخلافات والمشاكل التي أساسها التَّعنُّت بالرأي والتَّشبث به…

إن انتهاج الديمقراطية واعتمادها كسلوكٍ، سواءٌ في المنزل، أو في المجتمع ككلٍّ، يحتاج بالضَّرورة إلى جملةٍ من القوانين تحميها من العبث بها، وتحويلها إلى كلمة حقٍّ يُراد بها باطلٌ، فإن كان القانون فوق الجميع، وطُبِّق بشكلٍ متساوٍ وصحيح، يصبح اعتماد مبدأ الديمقراطية أمراً سهلاً، وبمقدور الجميع العيش في كنفه، أما أن نُنحّي القانون جانباً، فإننا سندخل في دوَّامة الفوضى التي لا مخرج منها أبداً… هذا ما نحتاجه في مجتمعنا وبلدنا، وفي أسرنا أيضاً، لأننا لا نزال بعيدين بشكلٍ كبيرٍ عن المعاني الحقيقية للديمقراطية.

العدد 1105 - 01/5/2024