الديمقراطية في عيون شباب اليوم

حسن البني:

نسمع بمصطلح الديمقراطية في كثيرٍ من الأحيان، وقد نستخدم هذا المفهوم بلا فهمٍ، أو معرفةٍ حقيقيةٍ له! فالديمقراطية هي شكلٌ من أشكال الحكم، يشارك فيها جميع الموطنين المؤهلين، على قدم المساواة، إما مباشرةً أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين، ويستخدم إما لوصف نظام الحكم، أو لوصف ثقافة المجتمع.

فبعض شباب اليوم يقدمون مفهوماً خاطئاً عن الديمقراطية، فالديمقراطية لا تعني الخروج عن العادات، والتقاليد، والعرف، والشريعة، وانتهاك القوانين، بل هي إحساسٌ بالمسؤولية، وتطبيقٌ أكثر من كونها نظاماً لحكم الناس، ونستطيع فهم ذلك من خلال بناء الديمقراطية، عبر مشاركة الجميع، دون تهميشٍ لرأي أحد، وأيضاً يفهم بعض الشباب الديمقراطية من منطلق أن يكون حراً، دون ضوابط أو قيود، يتصرف كما يشاء، وكيفما يشاء، حتى لو كان في تصرفه هذا ضررٌ للآخرين، وهو هنا لا يعي تبعات تصرفاته تلك.

وفي الأسرة الواحدة، نعاني من اختلاف الآراء بشكل كبير، فالبعض لا يستطيع احتمال هذا الاختلاف أو تقبّله، بل قد يذهب البعض إلى معاداة أسرته بسبب هذا الاختلاف، وتجده في الوقت نفسه، يدّعي الديمقراطية خارج إطار هذه الأسرة.

فكيف للديمقراطية أن ترى النور، ونحن لا نزال أسيري فكرنا الضيّق، في الوقت الذي نرى فيه شبابنا ينزلقون بالتقليد الأعمى للغرب، وخاصةً في استيراد الثقافات والعادات الاستهلاكية، التي تعود على اقتصاد الغرب بالنفع، وعلى اقتصادنا بالدفن.

فالديمقراطية هي قرين الليبرالية، في العصر الحديث، التي تعني الحرية، ولكن الحرية لا تعني التحرر من الأخلاق، فالشعور بالأمان والاطمئنان، والاستقرار، والشعور باحترام الذات، هي أقصى درجات الشعور بالحرية، فلا يكفي أن تتمتّع دولةٌ ما بنظام حكم ديمقراطي، وشعبها لا يعي ولا يشعر بالديمقراطية.

ونحن إذ نحتفل في الخامس عشر من أيلول باليوم العالمي للديمقراطية، نأمل أن يرى شبابنا ديمقراطيةً حقيقيةً، تُطبّق على أرض الواقع، وأن تكون شاملةً في جميع جوانب الحياة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وألاّ تكون مجرد كلامٍ أو حبراً على ورقٍ، لأن البعض الآخر من شبابنا اليوم، يمتلك رؤىً منفتحةً، ومليئةً بالأفكار النيّرة، فلا نستطيع الضحك على عقولهم بديمقراطيةٍ كاذبةٍ، لأنهم يحملون بعض أفكار الجيل السابق، إضافة إلى وعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وقدرتهم على إنجاز ما لم يستطع الجيل السابق إنجازه.

فعيون شباب اليوم ترنو إلى ديمقراطيةٍ تزيل الحدود والعوائق، وتزيد أواصر المحبة والتعاون، بين أفراد المجتمع، ونبذ العنف بجميع أشكاله، فالعنف لا يُفضي إلاّ للعنف، وفي الوقت ذاته نحن اليوم لا نريد ديمقراطيةً تُشيّدُ على أنقاض المجتمع وثقافته، بل نريد لمجتمعنا أن ينهض بالعلم، والتقدم، لجميع أبنائه متساوي الحقوق والواجبات.

العدد 1105 - 01/5/2024