من الشعب المستهلٍك إلى الحكومة المستهلَكة: أيّ وضع اقتصادي نعيش؟!

سليمان أمين:

لا شك أن دور المستهلِكين في الاقتصاد الكلي للبلاد هو الدور الأهم والأكبر في العجلة الاقتصادية، وذلك لأنهم أكبر مجموعة اقتصادية تؤثر وتتأثر بكل قرار اقتصادي، سواء كان عامّاً أو خاصاً.

ويشير الاقتصاد الكلي إلى اقتصاد الدولة ككل، فهو يركز على القضايا الكلية وأهمها التضخم الذي يقاس بملاحظة أسعار مجموعة من المواد التي يشتريها المستهلكون بشكل اعتيادي أو ما يسمى (سلة سوق)، ويكون معدل التضخم هنا عبارة عن نسبة التغير في سعر تلك السلة خلال مدة معينة من الزمن. ويعتبر التضخم الكبير سيئاً للاقتصاد لأنه يضعف من القدرة الشرائية، بمعنى شراء مواد أقل بكمية النقود نفسها، مما يخلف نتائج سلبية على الاقتصاد وعلى الشعب المستهلِك لا سيما مع بدء الموسم الدراسي والعودة إلى المدارس والجامعات، وما يتلو تلك العودة من دخول رسمي لفصل الشتاء البارد في درجات حرارته، والساخن باحتدام النقاشات الحكومية والنقابية حول كيفية تلافي أخطار البرد بالحصول على الميزة الدولية للمواطن(!)، ألا وهي برميل مازوت في أفضل الحالات للمواطن النظامي الممتلك لدفتر العائلة وامتيازات القسائم، وبضمنها قسائم البنزين للبعض!

ومن القضايا الكلية التي يشير إليها الاقتصاد الكلي للدولة موضوع البطالة ولها أنواع مثل: البطالة الانتقالية، وهي حالة وجود (غير عاملين) لفترة مؤقتة، والبطالة الهيكلية التي تحدث عندما يكون المختصون أو العمال غير موظفين لعدم وجود عمل متاح لهم في اختصاصاتهم، وأخيراً البطالة الدورية وسبب هذه البطالة هو الانحسار والضائقة المالية لدى المستهلكين، مما يدفع بعض الشركات إلى الاستغناء عن بعض الموظفين الذين سيقلّ دخلهم، أو يتوقف تماماً، مما يعني أن مزيداً من الناس سيفقدون أعمالهم.

 

النمو والتجارة الخارجية

وهما من المؤشرات الكبيرة على الاقتصاد الكلي للبلاد، إذ يعكس النمو حالة السوق والمستهلك، كما تعكس التجارة الخارجية قدرة السوق والإنتاج المحلي.

 

الإنتاج المحلي الإجمالي

وهو القيمة الكلّية لكل المنتجات النهائية والخدمات ضمن حدود دولة ما خلال مدة زمنية محددة، وهي سنة عادةً. ولا يتضمن الناتج المحلي كل تبادل حاصل في الاقتصاد، وعلى سبيل المثال إذا اشترى مستهلك سلعة محلية مستعملة، لا تحتسب هذه العملية في الاقتصاد لأنه لا يوجد شيء جديد تم إنتاجه في هذه الحالة. ولعل أسواقنا شرعت تعج بتلك السلع خلال سنوات الأزمة، بما يعني أن اقتصادنا بات يكرر نفسه بعد معاناته من السلع المذبوحة، ولعله مصطلح لا يدرج استعماله إلا في بلدان العالم الثالث، ويشير إلى نوع من السلع ناقصة المواصفات والمعايير، مبهمة الهوية، وذات سعر يطعم قابضه خبز الشعير طيلة يومٍ كامل!

 

سياسات الحكومة

على الحكومة أن يكون لها دور في ضبط الاقتصاد، فعندما يحدث انحسار في السوق والتعاملات الاقتصادية، يجب على الحكومة أن تزيد من الإنفاق، أو أن تخفض من الضرائب والأسعار، بحيث يمتلك الأفراد نقوداً أكثر لإنفاقها، وهذه الطريقة ستعيد الاقتصاد إلى حالة الحركة والتوظيف التام. ويكثر الحديث اليوم عن سياسة (الترشيد الاقتصادي) إذ يجري حساب ما هو ضروري لبلوغ هدف اقتصادي ما، ويسعى الترشيد الاقتصادي في حالته النموذجية إلى استغلال أفضل للإمكانات المتاحة، فتستبدل، بالقوى العاملة، الأجهزة والمعدات، بهدف تحقيق ظروف تشغيلية مناسبة تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الكفاءة الإنتاجية للعمل. ومن الأساليب المتبعة في عمليات الترشيد الاقتصادي بيع أو إغلاق بعض المصانع وفصل الموظفين كذريعة لبدء عملية الترشيد الاقتصادي.

وفي سورية، الترشيد الاقتصادي للاستيراد، مثلاً، هو تقنين المادة والسماح باستيرادها حسب حاجة السوق لها، ولكن هل نجح ذلك؟! لقد كنا أمام حالات مثل مزاحمة مواد أجنبية لمواد منتجة محلياً بسبب سوء التصرف والمحسوبيات، كما وجدت في الأسواق سلع عن طريق التهريب وبأسعار مرتفعة دون تعرضها للتدقيق المناسب، مما شكّل خسارة للاقتصاد الوطني وخاصة من ناحية العملة الصعبة.

أهمية التشريع التجاري في تنظيم العلاقة بين المستهلك والتاجر بما يضمن حقوق الطرفين وسلامة الاقتصاد الكلي: ينظم التشريع التجاري القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار بمعنى أنه ينظم الأعمال التجارية التي تنشأ سواء بين التجار فيما بينهم أو بين التجار وزبائنهم. وقد سُنَّت التشريعات التجارية لحفظ حقوق التاجر ولتسهيل حل أي نزاعات تجارية يكون أحد أطرافها التجار فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الآخرين. وكذلك لأجل حماية حقوق الأشخاص الطبيعيين (المستهلكين) عندما يتعاملون مع التاجر، ولكن هل نجحت هذه التشريعات، أو بوضوح أكثر، هل طُبقت لصالح المستهلِكين؟

 

توحيد الإجراءات

لتوحيد المواصفات وضبط جودة المنتج الوطني أهمية كبيرة للوصول الى السوق المحلية بنجاح ضمن عملية تحقيق الاكتفاء الذاتي من مختلف المنتجات التي كانت تستورد، ولتحقيق قفزة نوعية في المنتجات الوطنية بمقاييس عالية الجودة، ولا بد من ضبط مقاييس محددة ومعينة لكل منتج ومعاينة خطوط الانتاج بالتنسيق مع الجهات الحكومية، ولا بد من أن تكون هناك علامة جودة ومواصفة وطنية عالية الضوابط تُخضِع المنتجات لمعايير دقيقة، بما يسهم في حماية السوق من الشركات العابرة، ويحفّز على الأجواء التنافسية. كما لا بد من دعم المنتج الوطني من خلال تقديم التسهيلات التشريعية وتوفير البنى التحتية اللازمة وتقديم الدعم المعنوي، مما يسهم في تشجيع القطاع الخاص على الدخول في استثمارات متنوعة، من شأنها دعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج، بما يضمن توفير مختلف السلع في الأسواق المحلية. ومن هنا تأتي أهمية إعداد المواصفات القياسية الوطنية للسلع والمنتجات وتوحيد نظم القياس والمصطلحات والتعاريف، وإصدار شهادات المطابقة للمواصفات القياسية وعلامات الجودة ومتابعة السلع والمنتجات المحلية والمستوردة للتحقق من مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة في ضوء وجود تشريعات تتعلق بمجال المواصفات والمقاييس وشروط الجودة.

 

توعية المستهلكين بحقوقهم

تأتي عملية توعية المستهلكين بحقوقهم حافزاً هاماً للقطاعات الاقتصادية لتطوير أدائها وحفاظها على مقاييس الجودة وخلق الأجواء التنافسية الإيجابية فيما بينها من خلال مقياس رضا المستهلكين أولاً. ومن أهم حقوق المستهلك التي يجب التوعية بها، والتي تتيح عملية تطوير الأنشطة الاقتصادية:

* الحق في الصحة والسلامة عند استعماله العادي للسلع بعد حصوله على البيانات الصحيحة عنها، مثل نوع السلعة وطبيعتها ومكوناتها وخطورة الاستعمال عند اللزوم، بما يتضمن إحاطة هذا المستهلك بثقافة (حماية حقوقه)، وبضمن ذلك الحق في رفع الدعاوي القضائية في حالة الإخلال بحقوقه أو الإضرار بها أو تقييدها.

* حق المستهلك في الحصول على سلعة كاملة الجودة وغير مغشوشة، مع تدوين سعرها عليها، وإرجاعها مع رد قيمتها أو إبدالها أو إصلاحها بدون مقابل في حال اكتشاف عيب فيها أو كانت غير مطابقة للمواصفات القياسية والخدمية المقررة، مع حقه في الحصول على فاتورة مؤرخة عن السلعة.

* حق المستهلك في عدم الترويج أو وصف السلع أو الاعلان عنها بأسلوب يحتوي على بيانات كاذبة أو خادعة.

* حق المستهلك في توفير قطع الغيار لبعض السلع خلال فترة زمنية محددة.

وختاماً وبعد كل هذا العرض نسأل الحكومة: أي وضع اقتصادي نعيش؟

العدد 1105 - 01/5/2024