الحماية الفعّالة للصناعة الوطنية

فؤاد اللحام: 

 يؤكد الاشتباك الاقتصادي الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من البلدان الصناعية في مختلف أرجاء العالم، نتيجة فرض الرسوم الجمركية المتبادلة بين هذه الدول، أنه لا توجد دولة في العالم لا تدعم إنتاجها المحلي، والأمثلة على ذلك عديدة بدءاً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وقبل ذلك الخلاف الأمريكي الأوربي حول مادة الصلب، وكذلك الخلاف حول قيمة العملة الوطنية الصينية…الخ. وبالتالي يمكن القول إن نظرية الأسواق المفتوحة والاتفاقيات الاقليمية والدولية حول تحرير التبادل التجاري أصبحت قيد الدراسة والمراجعة حالياً، في ضوء المنافع والخسائر التي حصل عليها كل طرف من هذه الاتفاقيات.

في سورية وخاصة في الظروف الراهنة وما نجم عنها من تدمير وحصار ومقاطعة وانتشار التهريب والفساد وتزوير المنتجات، وما سبقها من تلاعب في شهادات المنشأ والقيم الحقيقية للمستوردات، تتزايد المطالبة المشروعة بحماية المنتج المحلي. والسؤال هو ما هي الحماية المطلوبة وكيف يمكن تحقيقها؟

بالتأكيد ليس المطلوب هو حماية عمياء ومطلقة ودائمة تبعث في الصناعة الوطنية روح الكسل والاتكال والاحتكار والجمود. بل حماية فعالة لسنوات محددة يتم من خلالها تطوير إمكانيات الصناعة الوطنية وتعزيز قدرتها التنافسية سواء في السعر أو في الجودة، بما يمكنها من مواجهة المنافسة في السوق الداخلية وفي الأسواق الخارجية حالياً ومستقبلاً.

حماية الصناعة الوطنية أيضاً ليست، كما يظن البعض، مهمة حكومية حصراً. بل هي عملية ثلاثية الأبعاد: بعدها الأول هو الحكومة، والبعد الثاني هو الصناعي نفسه، والبعد الثالث هو المستهلك، ولا يمكن تحقيق الحماية الفعالة المنشودة للصناعة الوطنية دون التنسيق والتكامل بين أدوار هذه الأطراف الثلاثة.

أولاً_ المطلوب على المستوى الحكومي:

منع استيراد المنتجات التي تنتج محلياً وتلبي حاجة السوق المحلية كمياً ونوعياً، ويتسع نطاق هذا المنع مع التوسع في إقامة الصناعات المحلية التي يمكن أن تحل محل المستوردات مستقبلاً وبشكل اقتصادي وتنافسي.

مكافحة التهريب والتزوير والفساد في كل ما يتعلق باستيراد المنتجات الصناعية ومن كل النواحي.

توفير البيئة التمكينية لتطوير الصناعة المحلية من خلال إحداث المؤسسات الداعمة المختصة الجديدة وتفعيل دور الموجود منها، لتقديم الخدمات اللازمة للمنشآت الصناعية القائمة في مجال التدريب والتأهيل والجودة والمواصفات والاختبارات والتصدير.

تحديد برنامج زمني متدرج للحماية، لتحفيز الصناعيين على الإسراع في تطوير منتجاتهم وخفض تكاليفها وتلبية الاشتراطات البيئية والفنية والسعرية اللازمة للتصدير.

مراعاة المصلحة الوطنية وتحقيق الشفافية والعلنية في القرارات التي تتخذ في هذا المجال وعدم تفصيلها لصالح شخصيات وفئات محددة.

ثانياً_ المطلوب على مستوى الصناعي:

الالتزام بأن فترة الحماية مهما طالت فإنها لن تدوم. وبالتالي لابد من وضع وتنفيذ البرامج اللازمة لخفض التكاليف وتحسين النوعية ومقاربتها مع مثيلها في الأسواق الأخرى للوصول الى مستواها تدريجياً وخلال مدة محددة، واتباع أساليب الإدارة الحديثة في مجالات الإنتاج والتصميم والتسويق والمحاسبة والتدريب.

الاهتمام بحاجة المستهلك وذوقه وتطوير خدمة ما بعد البيع، سواء لجهة الضمان أو خدمات الصيانة وغيرها.

تقديم البيانات الصحيحة عن أداء المنشأة الصناعية، لتمكين الجهات الحكومية المعنية من أداء الدور المطلوب منها في هذا المجال بالشكل الصحيح والفعال.

ثالثاً_ المطلوب على مستوى المستهلك:

لا يمكن أن يُطلب من المستهلك المحلي ضمن الظروف المادية والمعيشية الراهنة للمواطنين السوريين الالتزام بشراء المنتج المحلي إذا كان سعره أعلى من المنتج المستورد أو المهرب أو جودته أقل. لذلك لابد من تحقيق شرطين اثنين لمطالبة المواطن بالقيام بدوره في حماية المنتج الوطني، من خلال شرائه هذا المنتج عن قناعة وليس بسب المنع والإجبار.

-توفر المنتج بنوعية جيدة وبسعر مناسب وتوفر الضمان وخدمات ما بعد البيع لهذا المنتج.

-منح تسهيلات فعلية لتشجيع شراء المنتج الوطني (أسعار جملة، تقسيط بدون فوائد…الخ).

وفي هذا المجال فإنه لابد من إطلاق حملة وطنية أهلية (وليست حكومية) لتشجيع الصناعة الوطنية، وتسليط الأضواء على دورها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، من خلال التشغيل وتوفير القطع الأجنبي وخفض الصادرات وزيادة التصدير وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتطويره وتحقيق التنمية العادلة والمتوازنة المنشودة.

إن ثقة المستهلك المحلي بالمنتج الوطني تجعله راغباً فيه ومستعداً لشرائه حتى ولو تقاربت الأسعار والنوعية.

العدد 1105 - 01/5/2024