التعليم العالي يضيق الخناق على طلاب الدراسات العليا

لقد اعتدنا أن نبدأ قصصنا التي تتحدث عن الماضي وعن الأمور الجميلة التي كانت به، بعبارة (كان يا مكان في قديم الزمان)، ولكن التغيرات التي نتحدث عنها اليوم ليست من الماضي الغابر، ولا من قصص الخيال، بل هي قصة الجامعات السورية قبل سنوات الحرب، التي كان تفخر سورية أنها من أقوى الجامعات في الوطن العربي، وكان ترتيبها عالمي مرتفع جدا، وشبه مجانية، واليوم، وبعد أن رمت الحرب على كاهل الجامعات السورية حملا كبيرا، تحاول هذه الجامعات أن تشفى منه، وأن تستعيد مكانتها السابقة بين الجامعات العربية، والعالمية، نجد أن قرارات وزارة التعليم العالي تزيد الأمور صعوبة، فبعد رفع رسوم الجامعات، التي سيكون لها دور في تقليل أعداد الطلاب المتقدمين، أعلن عن قرار حطم طموح الاف الطلاب، بإكمال دراستهم الأكاديمية، وقضى على أحلامهم، وجعلها تتبخر في الهواء بطرفة عين، مع عبارة (من لا يملك المال الكافي ويهتم بالعمل، لا داعي لأن يدرس دكتوراه، من الأفضل أن يترك المكان لغيره) والتي صدرت عن مسؤول رفيع في رئاسة الجامعة. الأمر الذي جعلنا نطرح سؤالا مهما: هل وزارة التعليم تسعى لنشر العلم، ورفع مستوى التعليم، أم حصره بأصحاب الأموال، والحكم على الطبقة الكادحة بالجهل، والحرمان من التعليم . لا ينتهي المسير على درب العلم بالحصول على الشهادة الجامعية، بل يبدأ منه،، وطموح جزء كبير من الطلاب الجامعيين، بعد انتهاء دراستهم الجامعية، يتجلى بإكمال تعليمهم الأكاديمي، ونيل شهادة الماجستير، ومن ثم الدكتوراه، لكن تقف عقبات كثيرة في وجه تحقيق هذا الهدف، أولها بالنسبة لطلاب الماجستير، تحديد عدد قليل جدا من الفرص، لا يلبي سوى رغبة قلة من الطلاب، الذين حصلوا على معدلات أعلى من غيرهم، ففتح أمامهم الطريق بكل يسر لإكمال دراستهم، أما باقي المتقدمين، حتى ولو كان معدلهم جيد، أو حتى جيد جدا، فقد فاتتهم الفرصة، لأن عدد الفرص محدود، والسبب أن أعداد الهيئة التدريسية، المكلفين بالإشراف لا تكفي أعداد الطلاب المتقدمين، فكل دكتور جامعي يسمح له، إن أراد الإشراف، كحد أقصى على ثمانية رسائل، من بينها ثلاث رسائل دكتوراه، في الكليات التطبيقية، على سبيل المثال، فما ذنب الطلاب إن كانت الهيئة التدريسية لا تغطي طلب الطلاب، على إكمال دراستهم العليا، أليس من واجب الوزارة تأمين كوادر تدريسية كافية، تساعد على تلبية حاجة الطلاب، وتساعدهم على تحقيق أحلامهم. كذلك حال طلاب الجامعات الخاصة والمفتوح، الذي حدد لهم مقعد واحد لا غير في مفاضلة الماجستير، وفي التعليم الموازي على وجه التحديد، وكأنهم طلبوا من طلاب الجامعات الخاصة أن يبقوا مرتبطين بجامعاتهم، التي تطلب مئات الألوف، حيث وصل التسجيل على الماجستير هذا العام في أحد الجامعات الخاصة إلى قرابة المليون ليرة سورية … أما من ليس لديه المال فلا داعي لأن يدرس، للأسف، إذ بات الماجستير محصورا فيمن لديهم القدرة المادية الكافية لتغطية نفقاته في الموازي وفي الجامعات الخاصة، فطبعا ستقتصر الدكتوراه بدورها على ابناء الطبقة الغنية، والميسورة، أما المنتمين لشريحة محدودي الدخل، و الفقراء، ستتحول الجامعة إلى أكبر آمالهم والحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه، حلم صعب المنال. وبالنسبة للطالب الموظف في القطاع الخاص لم يبقى له سوى الركض خلف العمل و الدراسة معا، سعيا وراء طموح في مستقبل أفضل، وأما للطلاب العاملين في القطاع العام، فإنهم فقدوا نصيبهم من الحظ وتركوا أمام خيارين أفضلهما مر، إما الدكتوراه، وإما العيش الكريم، فبعد أن أعلنت الوزارة عن القرار الذي يلزم المتقدمين لنيل شهادة الدكتوراه، إلى تقديم وثيقة غير عامل أو إجازة بلا راتب خلال السنة الأولى من الدراسة، متذرعة أن الطالب يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، لهذا من المفترض أن يتفرغ …فلم يبق للموظفين حل آخر سوى التخلي عن غذاء العقل مقابل المحافظة على غذاء الجسد، مما سبب حالة من الغضب عند المتقدمين للدكتوراه، الذين عبروا عن سخطهم بأن الأوضاع الاقتصادية في البلاد صعبة جدا، ولا يوجد بديل عن الاستمرار في العمل، فكل واحد منهم أصبح مسؤولا عن أسرته وأبنائه فكيف سيؤمن لهم احتياجاتهم، إن أخذ إجازة بلا راتب من عمله لسنة كاملة، هل ستنفق الوزارة على أسرته، أم أنها ستدعمه ماديا لتأمين مستلزماته الأساسية، أو ربما تحاكي الجامعات الأجنبية، وتقدم له راتبا شهريا لتغطيه كافة تكاليف دراسته وبحوثه. يبقى التساؤل: هل درست وزارة التعليم العالي هذا القرار جيدا قبل إصداره، أم أنها لم تفكر سوى في مصلحة الطبقة الغنية، التي ليست بحاجة للعمل، من أجل توفير مصاريف حياتها اليومية، ويمكنها أن تكف عن العمل دون أدنى خوف من النوم جوعا، أم أن الوزارة تحاول تنشيط سوق الجامعات الخاصة عن طرق وضع العوائق في التعليم العام، ودفع الناس نحو الجامعات الخاصة، بلا شفقة أو رحمة، فما الذي يخبئه الغد للطلاب من الشريحة المتوسطة، والمحدودة الدخل، والفقيرة، الذين يشكلون الشريحة الأوسع من الطلاب والمتقدمين لنيل شهادة الماجستير، والدكتوراه، أو لربما علينا تحويل السؤال للمواطن، بأن نطلب منه أن يخبرنا ماذا سيختار؟

العدد 1107 - 22/5/2024