الأزمة بين ترامب وأردوغان.. إلى أين؟

د. صياح عزام:

 

 

على الرغم من لجوء أردوغان إلى استخدام لغة التهديد والوعيد في خطابه الموجّه ضد الولايات المتحدة الأمريكية، رداً على مضاعفة الرئيس الأمريكي ترامب للرسوم الجمركية على وارداتها من الصلب والألمنيوم القادمة من تركيا لتصبح 50% للصلب و25% للألمنيوم، والتصريحات المتتالية لأردوغان بأن بلاده لن تخيفها العقوبات والتهديدات الأمريكية، وأنه سيتصدى لها، بالرغم من كل ذلك، يلاحظ أن المضمون الحقيقي لهذا الخطاب الأردوغاني يمكن وصفه بالخطاب (التراجعي والانسحابي) من دعوة التصعيد التركي.

في هذا السياق، تعمّد (أردوغان) نشر مقالة طويلة في صحيفة (النيويورك تايمز) لمخاطبة شريحة واسعة من القراء المناوئين للرئيس (ترامب)، على أمل أن يضغطوا عليه بشأن ما يحصل ضد تركيا.

المقالة المذكورة نشرها أردوغان في الحادي عشر من الشهر الثامن 2018 وحذر فيها من أن شراكة تركيا لأمريكا قد تتعرض للخطر، وأن بلاده تبحث عن حلفاء جدد، وأن تركيا لديها بدائل كثر، وبالتالي على الولايات المتحدة العودة عن سياستها هذه ضد تركيا قبل فوت الأوان.

أيضاً، تعمّد أردوغان في مقالته هذه محاولة إظهار أهمية تركيا تاريخياً بالنسبة للمصالح الأمريكية، وتذكير المواطنين الأمريكيين بالأدوار التاريخية لتركيا في خدمة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم أجمع، ومن هذه الخدمات التي ذكرها أردوغان بمثابة كشف حساب يقدمه لواشنطن التالي:

1- إن تركيا والولايات المتحدة شريكان استراتيجيان في حلف الناتو من 60 عاماً.

2- إنهما (أي أمريكا وتركيا) جابهتا معاً الصعوبات والتحديات المشتركة طيلة سنوات الحرب الباردة المعروفة وما بعدها.

3- إن تركيا قاتلت مع الأمريكيين جنباً إلى جنب في كوريا عام 1950- 1951.

أرسلت تركيا قوت من جيشها إلى أفغانستان لإنجاح عمليات قوات الناتو، عندما كانت الولايات المتحدة تنتظر أصدقاءها، من أجل الرد على هجمات 11 أيلول عام 2001.

هذا أهم ما ورد في جردة الحساب التي قدمها أردوغان للأمريكيين في مقالته المذكورة، ويلاحظ من خلال مضمون الخطاب وأسلوبه في هذه المقالة أن أردوغان يريد أن يقول للأمريكيين، مواطنين ومسؤولين، أن تركيا وهو شخصياً لا يريدان التصعيد، وأن بلاده حريصة على صداقة الولايات المتحدة.

إذاً، هذا تراجع تركي واضح، ويرى فيه العديد من المحللين السياسيين المتابعين للعلاقات الأمريكية_ التركية أنه يعود لسببين اثنين:

أولهما: إدراك أردوغان لحجم الكارثة التي تواجه الاقتصاد التركي بسبب انهيار العملة التركية المتواصلة، إذ فقدت في يوم واحد 20% من قيمتها مقابل الدولار، في الوقت الذي استمرّ فيه الأتراك بتحويل أموالهم إلى عملات أجنبية، خاصة إلى الدولار.

والثاني: وهو الأهم، أن أردوغان أدرك الثمن الفادح والمزدوج الذي ستدفعه بلاده إذا أرادت تأسيس تحالف جديد بديل للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية كما هدد أردوغان، إذ ستكون لهذا التحالف الجديد مردودات سلبية كبيرة، ولاسيما على مسألة التسلح التركي وقطع الغيار اللازمة للأسلحة التركية، إذ إن هذه المسائل أي مسائل التسليح وتوابعه ومتطلباته لا يمكن أن يتم استبدالها في يوم أو شهر واحد أو في سنة واحدة، إلى جانب أن التحالف الجديد، فيما لو تحقق، سيؤثر بشكل كبير على وضع تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي الوقت ذاته فإن أردوغان متخوف من قرارة نفسه من أن  البدلاء عن واشنطن، متورطون في حروب تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهم متضرّرون إلى حدٍّ ما من السياسات التجارية الأمريكية القائمة أساساً على الاستفزاز، ويبحثون عن مخارج من تلك الحرب التجارية، وقد يجد البعض منهم صعوبة في إيجاد حلول ناجعة للمشاكل التركية مع الولايات المتحدة، خاصة على المستوى الاقتصادي والتجاري، وستجد تركيا نفسها أيضاً ضمن التحالفات الجديدة مطالبة بتقديم تنازلات سياسية وأمنية كبيرة، ثم إن أزمة إدلب الحالية بعد التصميم السوري على تحريرها من الإرهاب تشكل هاجساً مقلقاً بل كابوساً لأردوغان.

الخلاصة: إن أردوغان لا يملك ترف تفكيك التحالف القائم مع واشنطن في الأمد القريب، إذا شاء ذلك، والأرجح كما يعتقد العديد من المراقبين السياسيين أن يعمل أردوغان بشكل وبآخر على الاستدارة التي تعود عليها بأن يعود إلى أمه الحنون أمريكا، وأن كل ما يقوم به هو من باب المناورة فقط.

العدد 1105 - 01/5/2024