روسيا والصين..تحالف استراتيجي لمواجهة عقيدة أوباما العسكرية

كانت بكين المحطة الأولى لسرغيه شايغو بعد تعيينه وزيراً للدفاع خلفاً لسيرديكوف الذي أقاله بوتين على خلفية الكشف عن فساد تقول بعض المصادر الإعلامية إنه على صلة مباشرة بصفقة الأسلحة الروسية للعراق. ويتميز سرغيه شايغو عن سلفه بأنه مقرَّب جداً من الرئيس بوتين، والأهم أن بوتين يكنُّ للرجل المودة والاحترام لأنه أظهر طيلة سنوات من عمله وزيراً لحالات الطوارئ في روسيا قدرة عالية على التعامل بسرعة مع الحوادث والكوارث الطبيعية والتقنية التي تعرضت لها روسيا. من هنا وبناءً على الثقة بقدرات الرجل عُيِّن وزيراً للدفاع، وها هو ذا يختار الصين محطة أولى، ما يدل على أنه يدرك تماماً أوَّليات السياسة الخارجية الروسية، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتعاون التقني العسكري مع الدول الصديقة. وتأتي زيارة شايغو إلى الصين في وقت يؤكد خلاله تطابق المواقف الروسية والصينية من القضايا الدولية والنزاعات في العالم، على طبيعة العلاقة بين البلدين. أما في تفاصيل الزيارة فقد استقبل الزعيم الصيني هو جينتاو وزير الدفاع الروسي كما استقبله نظيره الصيني، وركزت المحادثات على التعاون العسكري بين البلدين. فالصين ترغب في  الحصول على المزيد من التقنيات العسكرية الروسية الحديثة، بينما ترغب روسيا في أن تصبح الصين مستثمراً رئيسياً في مجمع صناعتها الحربية. وفي رأس قائمة أهداف هذا التعاون يقف سعي موسكو وبكين للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كما في العالم كله. ويرى الخبراء أن الدافع وراء السعي الروسي والصيني لتعزيز العلاقات بينهما في المجال العسكري يعود إلى تلاقي المصالح بينهما، لاسيما مصلحتهما بالعمل معاً من أجل مواجهة أهداف العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة التي تبناها أوباما في مطلع عام ،2012 والتي تقوم على نقل مركز اهتمام المصالح العسكرية الاستراتيجية الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

من جانب آخر يخفي التعاون الروسي -الصيني في طياته رغبة في العمل المشترك من أجل مواجهة تهديد الدرع الصاروخية الأمريكية، التي لا يقتصر تهديدها الاستراتيجي على روسيا وأمنها ومصالحها، بل يطول الصين أيضاً ومناطق النفوذ التقليدي لبكين. ولمواجهة التهديد الأمريكي تبدو الصين بأمسّ الحاجة إلى تعزيز قوتها البحرية، ذلك أن الولايات المتحدة ما زالت متفوقة في هذا الجانب وتنتشر القطع الحربية البحرية الأمريكية في البحار والمحيطات حول الصين وفي بحار متاخمة لها، من هنا يبدو أن الصين ستعتمد على تعاونها التقني العسكري مع روسيا لتحصل على قوة بحرية تساعدها على سحب زمام المبادرة في البحار المجاورة من أيدي الأساطيل الأمريكية. وتعتمد الصين على روسيا في هذا المجال لأنها لا تستطيع الاعتماد على تعاون مع الغرب يؤمن لها هذه الاحتياجات، وذلك بسبب عقوبات تحظر مثل هذا التعاون مع الصين تبناها الغرب منذ عام 1989. وروسيا لم تنضم إلى هذه العقوبات. وكان بوتين قد أجرى زيارة إلى الصين في صيف العام الجاري، وصرح خلالها بأن روسيا والصين تعوِّلان إلى حد كبير على التعاون الثنائي في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.  وزيارة شايغو أتت في سياق هذا التعاون، ذلك أن الوزير الروسي شارك، بعد محادثات هامة مع القيادات السياسية والعسكرية في بكين، في أعمال الدورة السابعة عشرة لاجتماعات اللجنة الحكومية الصينية -الروسية للتعاون العسكري، التي تقوم بوضع الخطط للمضي في التعاون بين البلدين بما يخدم مصلحتيهما.

تعول الصين على التعاون مع روسيا، وتعول روسيا على جارتها العملاقة الصين، فكلتاهما عرضة اليوم لمصدر تهديد واحد، وكلتاهما تقع على الرقعة الجغرافية ذاتها التي تقول العقيدة الأمريكية العسكرية الجديدة إنها منطقة مصالح حيوية واستراتيجية للولايات المتحدة، وكلتاهما مستاءة إلى حد بعيد جداً من مجمل السياسات الأمريكية، وإصرار واشنطن على التمسك بالهيمنة العالمية سياسياً وعسكرياً، حتى لو تطلَّب الأمر الحد من النفوذين الروسي والصيني، ولو كان ذلك في عقر دارهما.  من هنا كان من الطبيعي أن يتجه وزير الدفاع الروسي الجديد، في أول زيارة خارجية له بعد تعيينه، إلى بكين، ليؤكد أهمية المضي في تعزيز العلاقات بين دولتين جارتين سيكون من الصعب على إحداهما مواجهة التحديات وحدها إن تخلت عنها الأخرى.

أخيراً تتوقع بعض المصادر المطلعة أن تبدأ مرحلة التعاون الروسي-الصيني في مجال الصناعات البحرية والصناعات العسكرية بشكل عام، مع تركيز على الأساطيل العسكرية التي من شأنها تعزيز قوة الصين العسكرية في آسيا والمحيط الهادئ من جانب، وتأمين دعم مالي لمجمع الصناعات العسكرية الروسي تضمن له استمرار تطوره بفضل استثمارات صينية عملاقة متوقعة في هذا المجال.

العدد 1105 - 01/5/2024