المستقبل المكسور

أصبح الموت في سورية، ومنذ أكثر من سنة خبراً يومياً متجدداً، تموت الأحلام، وتتكسر الطموحات، وتنمو نوازع مخيفة تكرس الإقصاء والعداء وترسخ العنف المشروع ضد كل مختلف.

لا يبدو المستقبل مبشراً على المدى القريب، ولا ينتبه المتصارعون، بل يبدو أن ما ستجنيه البلد من كوارث قادمة لا يهمهم مهما كانت نتائج الصراع القائم حالياً، وأياً كان المنتصر فإن الهزيمة أنشبت مخالبها في مجتمع يدفع جميع أفراده الثمن.

في النزاعات المسلحة  كما هو متعارف عليه  تدفع النساء والأطفال الثمن الأغلى، فهم الفئات الأقل مناعة في المجتمع.

 ماذا نتوقع من نساء ثكلن أولادهن وفقدن أحبتهن ودمرت بيوتهن وتاريخهن كله؟ كم من العقود تراجعت ظروف النساء على وجه الخصوص في مجتمع كان  يحبو ببطء شديد في سبيل نيلهن حقوقهن وتوفير المقومات التي تمكنهن من إثبات ذواتهن وسط القهر والظلم الاجتماعي وعاداته وتقاليده التي تقف ضدهن؟ كيف يعود النساء بعد الأضرار التي تعرضن لها إلى ممارسة دورهن الفعال في المجتمع والأسرة وتنشئة الأطفال، في ظل ظروف أثقلت كاهلهن بالأعباء والألم والحزن؟

وماذا سيصدر عن أطفال تُقتل طفولتهم منذ أكثر من سنة، لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا في مكان يحتله العنف والقتل والدم، ليخسروا أهلهم ورفاقهم ومنازلهم ومدارسهم.. ويشردوا.. ويذلوا .. ويجوعوا.. إن منظر قتل إنسان، وخاصة إن كان عزيزاً على الطفل أو المراهق، وتهديم بيته، وتدمير شارعه ومدينته..كل هذا وغيره يسبب له لا الحزن والألم فقط، وإنما يؤثر في تكوينه النفسي والعقلي. وما أكثر أطفالنا وشبابنا الذين شُوِّهت شخصياتهم بسبب الجرائم الفظيعة المرتكبة أمام أعينهم. عدا معاناة التشرد والجوع التي يعيشها الآلاف منهم. أية مشاعر ترافقهم يومياً، والخوف يسكنهم والقهر؟

 إن المراهقين والشباب الذين بدأت شخصياتهم بالتكون في ظل الظروف القاهرة الحالية ستكون محملة بالقهر والألم واعتياد العنف، وحتى تبريره أحياناً، مما يزيد من تأثير المأساة التي تعيشها سورية في المستقبل.

لا مكان للحب عند أطفالنا، ولا قدرة لهم عليه أصلاً في ظل المعاناة النفسية التي يعيشونها بسبب ما وقع عليهم. لا مكان للطموح والإبداع، فالسلام الداخلي قد شرخ عميقاً، ودونه لا ينجز جمال حقيقي بحياة الإنسان.

يتبجح كثيرون أن الإنسان سرعان ما ينسى، فالنسيان نعمة يتمتع بها لتستمر حياته. لكن هذا خاطئ بالتأكيد، فالنسيان آلية دفاعية يعتمدها الفرد ليتجاوز ما مر به من صعاب، ولكن هذه الآلية لا تكون نافعة عندما تكون الأذية بمستوى يتجاوز الطبيعي. فعندما يتعرض الإنسان لتجربة تسبب خللاً في بنيته النفسية والعقلية والاجتماعية يجب العمل بجدية لعلاج هذا الخلل وتصحيحه، مع أن النتائج غير مضمونة فعلاً.

ذكريات دموية ستحملها ذاكرة هذا الجيل والقائمون على تربيته. ومهما سيحدث في المستقبل القريب يمكن القول إن النتيجة الحتمية تؤكد ضرورة العمل على وضع برامج علاجية طويلة المدى ليستطيع المجتمع بجميع فئاته استعادة توازنه وتفاعله الطبيعي لإعادة إعماره وبنائه.

العدد 1107 - 22/5/2024