واهم من يعدُّ نفسهُ حراً

في البداية لابد من الإشارة إلى أن الحرية، هذه الكلمة الصادقة، على صراع دائم مع كل ما هو مقدس، فالحرية هي المقدرة المطلقة للسيطرة على الذات.

 فالمعنى البدائي: الإنسان الحر هو ذلك الذي لا يكون عبداً أو سجيناً، أي القيام بما يريد وليس بما يريدهُ الآخرون .

وبالمعنى العام: هي الإنسان الذي لا يحتمل أي قسر، والذي يتصرف وفقاً لإرادته وطبيعتهِ.

وبالمعنى الاجتماعي: المقدرة على القيام بكل ما لا يمنعه القانون، ويرفض ما يحرّمه هذا القانون.

المعنى السياسي: تصبح الحرية مجموعة الحقوق المعترف بها للفرد، والتي تحد من سلطة الحكومة. وبالمعنى البسيكولوجي والأخلاقي: تكون الحرية حالة ذلك الإنسان الذي لا يقدم على أي عمل، خيراً كان أم شراً، إلا بعد تفكير عميق، وبإدراك كلي للأسباب والدوافع التي جعلتهُ يقوم بهذا التصرف. 

في ظل هذا التنوع من المعاني المفاهيم التي تتباين وسط آراء المفكرين والفلاسفة، فهل كل إنسان مسؤول عن خياره؟ أم أن الحرية تتلخص بالمقدرة على القيام أو عدم القيام بشيء معين؟ هل نسعى إلى الحرية حقاً؟ وهل الحرية بالضرورة طريق للسعادة؟ هل لدينا رغبة في الخضوع والانصياع للاستبداد أم نحن عشاق للحرية؟

أسئلة كثيرة بحاجة لحلقات بحث ومراجع ودراسات أكاديمية.

لكن أين نحن من كل هذا؟ فهل أقبلنا على الحرية من باب الخطيئة الأولى؟ أم وفقاً لتوجهات الطبيعة والمجتمع؟ 

أم وفقاً لتوجهات العقل التي تقول إن الإنسان حر في تحديد غاياته بالفكر؟!

إن الحديث عن الحرية يبدو مغرياً، لأننا نشعر بالحاجة الماسة إليها في كل لحظة وحين. ولأن الحياة دونها لا تطاق. ومن هنا كان تعظيم الشهداء الذين يموتون في سبيلها، ومن هنا أيضاً كان استرخاص النفس والمال في سبيل الحصول عليها. وأنا هنا لا أعني الحرية بالمعنى الفلسفي، بل بالمعنى السياسي والاجتماعي.

لقد أكد أحد الفلاسفة: (أن الحرية لا تمارس إلا بالعقل)، وهذا يعني أن التفكير في الحرية لإعطائها وجوداً محسوساً هو قتل للحرية، فبقدر ما نفكر فيها نجد أنفسنا محاطين بصنوف متعددة من القيود، كلها تنبئ بأن الإنسان هو واهم فقط حينما يعدّ نفسه حراً.

ويرى بعض المفكرين – منهم ماركس ولينين – أن الحرية إنما هي عملية تحرر مستمر. والمقصود هنا بالتحرر هو عملية التخلص من جميع العراقيل والعقبات التي تقف في وجه الإنسان، وهي العراقيل التي تجعل منه إنساناً مستلباً. وأكبر هذه العراقيل هو الاستلاب أو الانخلاع الاقتصادي المتمثل في وجود الملكية الخاصة. فالعامل الاقتصادي يشكل المبتدأ والخبر في النظرية الماركسية، وفي الفلسفة التي تشكلت على ضوئها.

في الفلسفة الوجودية لا بد للإنسان أن يمارس حريته، ذلكَ أنه محكوم عليه بالحرية كما يقول سارتر. فهو قد قُذِف به إلى العالم دون رحمة أو رأفة، ولذا فلا مناص لهُ من أن يختار مصيره الذي يريد. بيد أن الحرية في النظرية الوجودية هي التزام، وهي مسؤولية، فلكي أكون حراً ينبغي أن أكون ملتزماً. ومن هنا جاءت فكرة الالتزام في الأدب التي طرحها سارتر في كتابه الشهير: ما الأدب ؟ والالتزام هنا لا يعني الإلزام المنافي للحرية، بل العمل ضمن نطاق الحالة الاجتماعية التي تفرضها الآداب العامة. مع السعي نحو تغيير ذاتك نحو الأفضل.

العدد 1107 - 22/5/2024