من يؤثر في النساء السوريات؟

وجهتُ السؤال التالي لعشرين فتاة وسيدة: بمن تأثرتِ؟ وهل ثمة شخصية عامة تلفتكِ؟ كان جواب معظمهن .. لا أحد!  لم أتأثر بأحد!، لا أحد يرد في خاطري الآن! ومنهن جامعيات وموظفات وطالبات. وكان هذا الأمر صادماً إلى حد كبير، خاصة عندما تسأل إن كانت ثمة شخصية نسائية عامة قد أثرت بإحداهن. معظمهن لم تثر اهتمامهن شخصية نسائية عامة وسورية خاصة.

لاحظت أن أكثر شخصية نسائية تأثر بها الجميع هي السيدة فيروز، ربما لأن الأغنية والموسيقا الراقية هي من أسهل الأشياء تأثيراً في النفس. والملاحظ أنها أثرت في عدة أجيال، من أكبرهن سناً إلى أصغرهن، فكنَّ جميعاً يقلن فيروز، ثم ينتقلن إلى الأسماء الأخرى. وكن أقل تأثراً وربما جهلاً بأي شخصية سياسية. بعضهن تأثرن بأساتذة جامعيين في اختصاصاتهن، أو بكتاب أو كاتبات معروفات، وقلة بفنانين تشكيليين معروفين. لكن سياسياً لم يلفتهن أحد، حتى إن بعض  الشخصيات النسائية المعروفة كنوال السعداوي التي تأثر بها عدد لا بأس به منهن  لم يتحدثن عن نضالها السياسي بل عن أفكارها في مجال تحرر المرأة فقط.

 اللافت غياب شخصيات عامة مؤثرة، ومن الواضح أن المسافة التي تفصل بين جمهور النساء والسياسيين كبيرة جداً، ربما بسبب غياب الحياة السياسية داخل البلاد، وهن غالباً غير مهتمات بالعمل السياسي، ولا فيما يدور في كواليس دوائر القرار السياسي، إنهن شبه غائبات عن الحراك السياسي إلا بهامش ضيق جداً ينحصر بدائرة التلقي. وأتحدث هنا فقط عن المجموعة المحدودة التي تسنى لي سؤالها، وهي تمثل شريحة لا بأس بها من النساء الشابات السوريات المتعلمات بأجيال مختلفة.

 كما كان لافتاً غياب أسماء كاتبات سوريات معروفات، ماعدا ذكر إحدى الشابات (حنان 23عاماً) لغادة السمان، وشيرين 35عاماً لكوليت خوري، مع غياب معظم أسماء الكاتبات من الجيل الشاب. وحتى على صعيد الدراما ذكرت إحداهن (السيدة ربى 32عاما) السيدة منى واصف كإحدى الشخصيات الهامة التي تعجب بأدائها التمثيلي وبشخصيتها القوية.

 وممن تجاوبن مع السؤال ومنحونا إجابات سريعة السيدات:

فاطمة مواليد ،1965 باحثة في مجال التاريخ والآثار: أعتقد أن الدكتورة بثينة شعبان من الشخصيات التي أثرت بي، نظراً لتاريخها الشخصي والمهني، ولكفاحها الذي أوصلها إلى أرفع المناصب في الدولة ولحضورها السياسي اللافت، وللمؤلفات التي قدمتها للمكتبة العربية. والسيدة الدكتورة نجاح العطار. وممن أثر فيَّ كثيراً أساتذتي د.سهيل زكار، ود.عدنان البني، ود.محمد الزين، أثروا فيَّ كثيراً من خلال اجتهادهم العلمي وإصرارهم الدائم على العطاء وتقديرهم للآخرين.

ضحوك ،1970 تعمل في مجال الترجمة، تقول: تأثرت بالطبيب النفسي جلال نوفل، فقد أثر بي بطريقة تعامله مع الناس، بمحبته واستيعابه الكبير للآخرين. أثر على سلوكي  فأصبحت أتعامل مع الناس والمجتمع بطريقة أكثر إيجابية. كما تأثرت بالدكتور صادق جلال العظم بمجال التحليل والنقد، بنظرتي للدين وبتحليلي للأمور وللنصوص التي  أقرؤها، وفي مجال عملي بالترجمة تأثرت بالأستاذين عباس عباس والحارث النبهان.

 رادا 1972 مهندسة زراعية: تأثرتُ بالدرجة الأولى بمحيطي الأسري، فوالدي مترجم، ووالدتي قارئة جيدة. وعندما كنت بسن العشرين قرأت نوال السعداوي وتأثرت بأفكارها، وتأثرت كذلك بالكاتبة والمفكرة المغربية فاطمة المرنيسي، خاصة في مجال تحرر المرأة وتمكينها من مصيرها ومحاولة فهم وضعها في المجتمع الشرقي. كما تأثرت بعدد من الكتاب والكاتبات كإيزابيل ألليندي، ومكسيم غوركي، وجبران خليل خبران، وميخائيل نعيمة. تأثرت بفكرهم الإنساني، وبالموسيقيين مارسيل خليفة، وزياد رحباني، والسيدة فيروز، كمعظم أبناء جيلي. ومن الفنانين التشكيليين بالفنانة سارة شما.

سونيا 28 عاماً: تأثرت بالكاتبة والطبيبة المصرية نوال السعداوي، أعتقد أنها سيدة مناضلة بكل معنى الكلمة نظراً لِمَ واجهته في الماضي ولما تواجهه اليوم، وفي نضالها من أجل حقوق المرأة ضد الجهل والقمع.

مايا   18 عاماً طالبة ثالث ثانوي: أكثر من أثر بي الموسيقيان مارسيل خليفة وزياد رحباني، والأخير تأثرت بموسيقاه وبمواقفه السياسية، كما تعجبني أفكار  الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي.

نور 17 عاماً طالبة ثاني ثانوي: من أكثر الشخصيات التي أتأثر بها السيدة فيروز، فأنا أجدها إلى جانبي في معظم الحالات التي تمر بي، ليس فقط من خلال أغنياتها بل بشخصيتها القوية الملتزمة، وهي حالة خاصة وفريدة في نظري.

 حاولنا أن نأخذ رأياً مختصاً فيما سبق من الباحثة الاجتماعية جانيت عروق، وكان رأيها التالي:

(بالنسبة للسيدة فيروز من الطبيعي أن تكون النسبة الغالبة متأثرة بها، ربما لأنها مكرسة إعلامياً منذ زمن طويل، فأغانيها تعرض على معظم محطاتنا يومياً وهي مسموعة جداً.

في الجانب السياسي لا يوجد ثقة حقيقية بين النساء  والسياسيين، ربما بسبب قلة الشخصيات السياسية المؤثرة. ومن الواضح أنه لا يوجد انخراط في العمل المجتمعي المدني، فالقضايا  المدنية المجتمعية غائبة تماماً، كغياب أسماء الشخصيات الناشطة في المجتمع المدني.

ونحن بشكل عام نلمس تراجعاً كبيراً في الثقافة بشكل عام، ربما بسبب تراجع القراءة لحساب التلفزيون والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وربما بسبب غياب المفكرين والمثقفين الحقيقيين عن  الساحة الثقافية، وانحسار النشاطات الثقافية الحوارية بسبب غياب الحريات لفترات طويلة.

العدد 1105 - 01/5/2024