أدب النزهات بين القديم وحداثة العصر

نقرأ في كتب الجغرافيين والرحالة العرب كلمة النزهة والتنزه بين هذا الفصل وذاك. وبين هذه المقالة وتلك، ولا سيما في كتب من جاؤوا إلى الشام من الجنوب والغرب، ومع تلك الملامح الرومنسية عرف الأدب ذاك بأدب الرحلات. ومن محاسن الوقت أنه دوّن وحفظ ضمن طبعات متلاحقة ومتتالية. ولأنه على جانب من الأهمية كتبت الدراسات والأبحاث فيه، وصدرت كتب في هذا الجانب تحت عنوان (أدب الرحلات)، ولعل أول من كتب في أدب الرحلات هو الرحالة الشهير هيرودوت، عندما قام برحلة شهيرة من الغرب إلى الشرق، وأما الترحال في سورية فقد قام عدنان تلو (في زمن الرئيس شكري القوتلي) برحلة جبارة على ظهر دراجة نارية طاف بها العالم، وكتب كتاباً موثقاً تحت عنوان: (حول العالم  على دراجة نارية 153 ألف كيلو متر في سبع سنوات).

ومثلما طاف الدمشقي تلو 64 عاصمة على ظهر دراجة نارية في العقد السادس من القرن الماضي، جاء دور الشباب الجدد لينطلق واحد منهم على ظهر فرس من السويداء فيبدأ الأرض العالمية من تركيا، ويصل بعد ذلك إلى باريس. ولأنه اطلع على أدب الرحلات (كما اعتقد) استطاع أن يؤرخ لرحلته الشيقة ضمن كتاب جميل أسماه كتاب (الاستغراب)، ونال ذلك الكتاب منا مقالة أدبية نشرت في جريدة (النور) في العام الماضي تحت عنوان: (عدنان الرحالة وكتاب الاستغراب). وما أجمل هذه المفارقة أن يكون الرحالة الأول اسمه عدنان، وأن يطوف العالم على ظهر دراجة، بينما يكون اسم الآخر عدنان أيضاً، ولكنه يطوف أجزاء من العالم على ظهر فرس أسماها فريحة. ولا بأس في أن أذكر أن فريحة هي مصغر فرحة، وأن العرب تعودوا على أن يسموا العديد من بناتهم باسم فرحة، وللتدليل والتجميل ينادون الفتاة باسمها الصغير بدلاً من الكبير، فيقولون إنها فريحة بدلاً من فرحة.

وأما أدب النزهات، الذي هو أدب مرادف لأدب الرحلات، فيطل علينا منذ أيام عبر كتاب (في جبل السماق)، ثم يردف العنوان بإيضاح فرعي (من أدب النزهات). وعند التصفح والقراءة يتبين أنه موضوع رحلة لأسرة سورية بدأت من حلب إلى جبل السماق السوري، فصاغها الأديب فاضل السباعي في قالب أدبي. ولنجاحه نشر في مجلة (الآداب اللبنانية) عام 1961 وكان قد احتفظ بذلك النص طيلة العقود الماضية، ولما أراد أن يصدر كتابه المتعلق برحلاته إلى الدول العربية والأجنبية وجد أن موضوع الرحلة إلى جبل السماق يدخل في إطار أدب النزهات، ولذلك فصله عن أدب الرحلات وقدمه إلى الهيئة السورية العامة للكتاب، فنشر في تشرين الأول. وهو كما اعتقد يشكل اللبنات الأولى لأدب اجتماعي اسمه أدب النزهات، بعد أن كان هذا الأدب غائباً عن الأنظار الأدبية، على الرغم من أنه حضر في المزيد من الروايات العربية. ولكن حضوره في الروايات يختلف عما جاء في كتاب في جبل السماق بسبب الجانب الفني للعملين، من حيث أن الرواية تكتب بعدة طرق فنية، بينما يكتب النص العادي بطريقة النثر العادي. ومع هذا فإن الآداب بمجملها ستظل غذاء للأرواح البشرية وبهجة للقارئ والمستمع.

العدد 1105 - 01/5/2024