لوحات الفنان نذير نبعة… حداثة تعبيرية متدثرة بذاكرة المكان السوري الجمالية

الفنان التشكيلي السوري نذير نبعة  من مواليد مدينة دمشق عام ،1938 تخرج في قسم التصوير من كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة عام ،1965 أتم دراساته العليا في المدرسة الوطنية العليا للفنون بالعاصمة الفرنسية باريس عام 1972. مارس مهنة تدريس الفنون في مدارس مدينة دير الزور ودمشق، ومواد التصوير في كلية الفنون الجميلة وطلاب الدراسات العليا. وعمل رسام موتيف ومصمم غرافيك للرسوم الداخلية للعديد من الصحف والملصقات في بيروت ودمشق. وهو قامة تشكيلية سورية متطاولة في ميادين الحركة التشكيلية المحلية والعربية العالمية، وواحد من روّاد الحداثة التعبيرية السورية المميزين، ومشرف على عشرات مشاريع التخرج لطلاب كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. أقام مجموعة من المعارض الفردية والجماعية والمجموعات، وحصل على مجموعة شهادات التقدير والتميُّز والجوائز.

لوحاته التصويرية خارجة من جلابيب ذاكرة الأمكنة السورية البصرية، متدثرة ومتناغمة مع جميع تجلياته اليومية المعيشة والأسطورية المُتخيلة بتقاسيمها التشكيلية التي تفيض حيوية وحركة، وجماليات معانٍ  وقيم تشكيلية مدروسة ومتوازنة ورصينة. يسبح في متنها الوصفي في فضاء العزف التقني المتنوع السمات والخصائص والمواد والأدوات، يدندن بخطوطه ومساحاته الملونة العاكسة لشخوصه وأوابد مكانه السوري أنشودة المواطنة السورية في أبهى مظاهرها الوصفية. يستعير مكوناته من معينها خلسة وينثرها صريحة الأشكال والمكونات فوق سطوح خاماته المستعملة. يجوب فيها ومعها برحاب التيارات الواقعية التعبيرية، والتعبيرية التأثيرية الرمزية والتعبيرية التجريدية مجتمعة أو متفرقة، والمتناسقة مع خيارات مواضيعه المطروحة في هذه اللوحة أو ذلك العمل الفني.

 النسوة حاضرات بقوة في جميع طقوسه الشكلية، يتصدرن المشاهد البصرية، ويلعبن أدوارهن الطبيعية في استكمال دورة الحياة السورية بما يمثلن من رمزية المكان السوري وأصالته، والمحاكية لحديث الأرض وذاكرة الإنسان في تجليات الأمل والعمل المثمر والمفيد والمزين بالعلم والمعرفة ومواكبة دورات الحياة الحرة والعيش الكريم من خلال إشارات نصيّة تشكيلية رمزية. وهي تارة محمولة بحديث النسوة وخلواتهن في ناصية قصة هنا وحكاية هناك، تدخل معترك الواقع المعيش بالمتخيل الرمزي والأسطوري في حسبة تقنية فائقة الجودة والرصف المتوازن والمتكامل لعناصر الموضوع ومفرداته التشكيلية في فضاء كل لوحة من لوحاته.

 دمشق القديمة في بيوتها الملتحفة بالأسرار والحكايات والتي تُعيد الشيخ إلى صباه، هي مجاله الحيوي في نسج معالم صوره المرسومة والملونة بأناقة تعبيرية وباقتدار فني وتقني وجمالي، من فنان امتلك جميع مقومات الابتكار فكرة وتخيلاً وتطويعاً لمواد وأدوات لمصلحة خياراته التصويرية، ومداد رؤاه التشكيلية التي تُعطيه التميز والخصوصية والتفرد ما بين أقرانه في الحركة التشكيلية في زمانه ومن تبعه من أجيال فنية تشكيلية سورية سابحة في محيط مقاماته وولائمه البصرية. يجد المتلقي في تفاصيل لوحاته متسعاً لمقولات التراث والحداثة، يذكرهم بسوالف ألف ليلة وليلة الدمشقية، المفتوحة على ذاكرة الإنسان وملامح الوجوه الحالمة، ورقص الأجساد المتحركة في فضاء التكوين وهندسته المعمارية الرتيبة، والمتجلية في أزياء وملابس متنوعة الألوان والصنائع.

 تُخفي في جدرانها الخلفية والمزخرفة ضجيج الزمن العربي المتعاقب. تستعير الجمال الدمشقي (الشامي) بكل غوايته، وتستنجد بالزخرفة العربية الإسلامية ومظاهر الحياة الحالمة والحافلة بمعطيات الأمل، والبوح الجميل المتوالد من قنديل الإضاءة، ومزمار الحي ورقص الحسان فرادى وجماعات في حضرة المشهد البصري، وخلفياته الموشاة بأزهار وورود دمشق الغنية عن الوصف والتعريف، والتي تحتل مكانها المناسب داخل متن اللوحات. ولتستكمل الحلي والجواهر والأشياء المادية الثمينة، والمتناسبة مع زمن عربي غابر دورة الوصف البصري في جماليات مضافة. تقربنا خطوة من فهم نسيج حكاياته ومقولته الفنية والفكرية والجمالية، والقول بأن دمشق الفنان متخفية في رمزية الأنثى وقدرتها على الحضور في مساحة وصف وذاكرة، ودلالة على الحب والمودة والزمن الدمشقي المتواصل والجميل. 

 لوحاته في بنيتها اللونية لا تخرج عن دائرة الألوان الرئيسة (الأساسية والمساعدة) والمتوالدة في ملونات مشتقة ومتناسبة، مع طبيعة المشهد الوصفي. كل لون فيها مدروس بعناية وفهم تقني خاص، لا نشاز فيها لخط أو لون وحتى مكونات تشريحية في رسم معالم شخوصه ومتمماته الخلفية وتصويرها، عامرة بملونات الحياة الطبيعية ومكوناته المرصوفة من فنون رقص وموسيقا وعلوم ومعارف وآداب ومعايشة، مدرجة في قوالب شكلية جميلة تفصح عن جودة مؤلفها، وموقعه المميز في ذاكرة الفن التشكيلي السوري الحديث والمعاصر.

 

العدد 1105 - 01/5/2024