كي لا يقع الشباب فريسة للتطرف والظلامية

كشفت الأزمة الحالية التي يمر بها بلدنا الحبيب سورية عن مظاهر سلبية وجوانب تقصير عديدة يعانيها مجتمعنا أسهمت بهذا القدر أو ذاك في تهيئة الظروف لعبث الأعداء والمتربصين. إن التقصير في التعامل مع جيل الشباب ومشاكله بشرائحه المختلفة هو أحد تلك السلبيات، نظراً إلى مدى النتائج والآثار الخطيرة التي يسببها.

والحديث في هذا الموضوع يتسع وتتعدد مجالاته، لكن الذي نود التوقف عنده في هذه المقالة هو ما نشهده اليوم من انحراف بعض الشرائح من الشبان وانخراطهم في القيام بأعمال إرهابية، بسبب تبنيهم للأفكار المتطرفة الغريبة عن المجتمع السوري، والتي تسللت إليه عبر قنوات التحريض وشيوخ الفتنة وعملائهم. فليس جميع الإرهابيين التكفيريين قادمون من خارج البلاد، وإنما يوجد بينهم مع الأسف شبان سوريون غُرِّر بقسم كبير منهم بأساليب شتى.

ولفهم ذلك لا بد من العودة إلى الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانيها الشباب، والحديث هنا يعود إلى الفترة السابقة للأزمة، فمن المعروف مدى تفشي البطالة وقلّة فرص العمل حتى لحملة الشهادات الجامعية، وعدم تناسب الأجور مع النفقات في حال الحصول على عمل، إضافة إلى تحول المسكن اللائق إلى حلم بعيد المنال.. وغير ذلك من تفاصيل حياتية مرهقة، كثيراً ما تؤدي إلى تزايد الإحباط لدى أعداد متزايدة من الشباب نتيجة لعدم التمكن من الحصول على أبسط حقوقهم في العيش الكريم.

وحين لا يجد الشاب نتيجة أو أملاً رغم سعيه الدؤوب، فإن كل ذلك يدفع بالشاب من هؤلاء إلى التمرّد بالمعنى السلبي للكلمة، مما يجعله شخصاً منفعلاً، يغرق في اليأس، ويبدأ بالتذمر من الوجود بوصفه عبثاً خالياً من المعنى. هذا يجعل منه هدفاً سهلاً للجماعات التكفيرية، التي تبدأ باستقطابه عبر أساليبها الدعوية، من خلال تحليل تبسيطي لمشكلات الواقع، يقول إن كل ما ألمّ بالعرب والمسلمين من تخلف وانحطاط سببه يعود إلى البعد عن الله وصحيح الدين، وهم يحتكرون لأنفسهم ولمن يمدهم بالمال والسلاح من مشايخ النفط تحديد ما هو (صحيح الدين).

 وهكذا يبدؤون العمل على إقناع الشاب أو الضحية، بالتدريج أن مجتمعه لا يراعي القيم الإسلامية، فعلى الشاب الملتزم أن يطهر نفسه من كل مفاسد الحياة، ويعمل للعودة بالمجتمع إلى (نقاء الإسلام)، وذلك عبر تطبيق الشريعة كما تمليها عليهم مصالح أسيادهم.

وأمام مجتمع يهمشه ولا يتفهم مطالبه واحتياجاته، يبدأ الشاب أو المراهق باتباع أنماط سلوك، الغرض منها لفت النظر لخلق قيمة واعتبار مفقودين. ومن جهة ثانية ليعبر بواسطتها عن تمرده على هذا المجتمع واغترابه عنه، سواء بالمظاهر كإطلاق اللحية وارتداء ملابس يتشبه عبرها بالسلف الصالح، أو المبالغة في ممارسة الطقوس والشعائر، ثم السعي لإقناع الآخرين كما أُقنع هو في السابق.

 وبعد استقطاب مزيد من الشبان والتحريض والشحن النفسي والمعنوي لهم ، بما يوحي أنهم يمتلكون ناصية الحق والحقيقة، وبالتالي تكفير كل من يختلف معهم بالرأي والعقيدة، يبدأ إعدادهم ليصبحوا (مجاهدين) مؤهلين لتغيير (المجتمع الكافر) بالقوة، ويتم تزيين الإرهاب والتخريب بوصفه جهاداً، مع الوعود بالحور العين وجنات النعيم.

من جانب آخر، ساهم الفساد مساهمة كبيرة في غياب الشعور الفعلي بقيم المواطنة والمساواة، فلا تكافؤ للفرص ولا حقوق متساوية أو واجبات عادلة في ظل الفساد، وهي قيم تنص عليها مواد الدستور صراحة، قد يؤدي ذلك إلى التقليل من الشعور بالانتماء الوطني، لدى هذا الشاب أو ذاك، فتدفعه الحاجة الفطرية للانتماء إلى البحث عن انتماءات بديلة تعويضية. وهذا أحد المداخل التي تستغلها الجماعات التكفيرية، فهي تحقق له نوعاً من المشاركة من خلال تضامن الجماعة، التي تصبح بالنسبة إليه هوية نهائية، وبديلاً عن مواطنة لم يتح له أن يعيشها في الواقع.

كما أشرنا هذه الحالات لا تعمم، والمؤكد أن أكثرية الشباب برغم كل ما يعانونه، أثبتوا مستوى عالياً من الوعي الوطني الحقيقي. لكن خسارة أي شاب هي خسارة للوطن. واللافت أن بعض أولئك الذين يتورطون في الإرهاب من ذوي التأهيل العلمي الجيد، وكان الأجدى الوقاية من المشكلة قبل أن ننتظر وقوعها.

لا يجوز الاكتفاء بتحميل هؤلاء الشبان مسؤولية ما جرى لهم بذريعة (قلة وعيهم)، فهم ضحايا آلة إعلام ودعاية ضخمة، وجدت في يأسهم وإحباطهم وسوء أحوالهم فرصة للتسلل إلى عقولهم وسلخهم عن مجتمعهم ووطنهم، الذي طالما ميزته روح الاعتدال والتسامح. وبدلاً من تقريعهم أو اتهامهم لا بد من الاستماع إليهم ومناقشة ظروفهم، بل والاعتذار منهم عن التقصير الحاصل في معالجة مشكلاتهم.

العدد 1107 - 22/5/2024