أوَّليات ومواطنة

في أحد الأيام حضرت ورشةً تتعلق بالتفاعل والتشبيك، وفي الورشة تدربنا مع المعلومات القيّمة على عدد من التمارين، وكان أولها تمرين يتعلق بالأوَّليات، فقد وضع لنا المدرب بطاقاتٍ تحمل كلماتٍ ك: السعادة، النرجيلة، الصحة، الوطن، الأمان، الحرية، الرياضة، الشهادات العلمية… وطلب منا أن نرتب هذه البطاقات حسب أوّلياتنا، فما كان من مجموعات الشباب إلا أن رتبت تلك البطاقات، وهنا كانت النتيجة الصادمة، فلم يكن للوطن أوّلية، إذ نال  المرتبة ما بعد الرابعة، وأما النرجيلة فقد نالت المجد لديهم وكانت تعلو المراتب العليا.. والسخرية كانت عندما ضحكوا بأن ميولهم واحدة، وصاروا بفخرٍ يتكلمون ما للنرجيلة من مكانة عندهم، ويا لسوء حالتهم دونها. ضحكتُ من سخرية الزمن على قَدْرِ تعجبي، أيعقلُ أنه ما عاد للوطن من قيمة عند بعض شبابنا، أمن الممكن تدني قيمة الوطن إلى ما بعد النرجيلة؟ ولمَ لا؟ فالنرجيلة هي مزيد من التسلية وتضييع الوقت واللامسؤولية، إنما الوطن هو المسؤولية والعمل الجاد. والكثير يبحث عما يسليه لا عما يطلب منه العمل والالتزام. النرجيلة هي التي حصدت من وقتنا التفكير الكثير والتكرار في الجلسات والنقاشات وهي التي جمعتنا. وأما الوطن فما نال منا إلا التهميش والنسيان، ومن أجله قد تفرقنا.

أين هي المشكلة؟ ما سببها الحقيقي؟ بكل تأكيد ليست اللائمة وحدها على جيل الشباب القادم إلى سوق العمل أو إلى الجامعة، بل هنالك دور كبير لمن همّشه فجعله رهين اللامبالاة عما يجري ما أدى لكل ما يجري حالياً.

لقد خاض شبابنا اليوم تجربة مريرة، فجأة وجد نفسه أمام مسؤوليات لا يتقن فن العمل بها، لا يتقن تجاهها إلا الإحساس الفطري. فلا المواطنة هي التي تسير به ولا الفكر، فقط ما يدفعه للعمل هو العاطفة، وهنا وقع في أخطاء كثيرة، كان من الممكن تجنبها، كان من الممكن أن يكون الشباب شريكاً في الحراك من الداخل، قادراً على إيجاد وإبداع الأفكار، بدل أن يكون رهين المال أو الأفكار الغريبة، لأن الأوَّليات في الحياة أيضاً تأتي بحسب ما تقدم للإنسان. والوطن بكل تأكيد أولوية، لكن يجب أن يرتبط به المواطن بعقله وروحه وليس فقط بعاطفة الأمومة إلى الأرض التي ولد فيها.

وبرغم كل شيء الوقت لم يفت بعد، وكثير من شبابنا يتدرب الآن كيف يكون شريكاً في الوطن. وبرغم كل ما كان من الممكن تجاوزه لو أن فكر المواطنة كان ممنهجاً في حياتنا التعليمية والمجتمعية والقانونية، لكن بقوة الإرداة والتصميم والتدريب سنتجاوز العقبات.

العدد 1105 - 01/5/2024