أمراض تلتهم شبابنا

شهدت الأعوام الأخيرة جهوداً حثيثة لتعزيز الصحة الجنسية والإنجابية في مواجهة فيروس العوز المناعي البشري-الإيدز، وذلك لأن العدوى بالفيروس تُكتسب وتنتقل في المقام الأول بالممارسة الجنسية دون وقاية، أو خلال الحمل والولادة والإرضاع.

ويعدُّ هذا المرض من أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، وأخذ في السنوات الأخيرة يدخل وينتشر في سورية. وعلى الرغم من أن معدلاته فيها من أكثر المعدلات انخفاضاً في العالم لكنه يزداد تدريجياً عاماً تلو الآخر، مترافقاً مع انعدام الثقافة الجنسية التي رافقها انتشار مظاهر سلوكية بين صفوف الشباب كالممارسات الجنسية الطبيعية والشاذة، مروراً بالمخدرات ونقل الدم، وصولاً إلى البطالة وتردِّي الأوضاع الاقتصادية. يضاف إلى ذلك التأثير السلبي للإعلام وما تبثه بعض الفضائيات من مفاهيم جنسية مغلوطة، ومن جهة أخرى نتيجة ازدياد الهجرة السكانية بنوعيها الداخلية والخارجية.

لقد كشفت مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة مؤخراً عن إحصائيتها المتعلقة بمرض الإيدز في سورية، فتبين اكتشاف 7 مصابين جدد بمرض الإيدز HIV وAIDS في البلاد في الربع الثالث من عام ،2012 فارتفع بذلك عدد المصابين المكتشفين منذ مطلع 2012 حتى نهاية شهر أيلول الماضي إلى 32 مصاباً، بينهم 27 من السوريين، وخمسة مصابين من غير السوريين. ومع هذه الإصابات يُصبح مجموع المصابين المكتشفين في سورية منذ عام 1987حتى نهاية شهر أيلول الماضي 794 مصاباً، بينهم 468 سورياً، و326 من غير السوريين، ومنهم 443 حالة HIV و351 حالة AIDS.

ولكن الرقم الحقيقي للمصابين في سورية بحسب البعض قد يكون خمسة أو ستة أضعاف الرقم المعلن، وذلك لعوامل كثيرة، أهمها أن العدد الأكبر من المصابين مازالوا في عداد الحاملين للفيروس دون أن تظهر عليهم علائم المرض، وكذلك جهل القسم الآخر منهم بأي معلومات أو ثقافة عامة عن المرض وطرق انتقاله والوقاية منه. إضافة إلى أن كل إصابة تخفي وراءها عدداً من الحالات لم تُعرف بعد، لأن المريض قد يكون حاملاً للفيروس مابين 4-7 سنوات دون أن تظهر عليه أعراض المرض، ولكنه يكون قادراً على نقل العدوى للآخرين خلال تلك الفترة. والمؤسف في الموضوع أن النسبة العظمى من المصابين هي من فئة الشباب، وهنا تكمن خطورة المرض، لأنه يلتهم شريحة أساسية في المجتمع، ويعطل مساهماتها الاقتصادية، لا بل تصبح عبئاً على الدولة. لقد بات تعزيز الصحة الجنسية والإنجابية أمراً هاماً لضمان اكتساب الأشخاص للمعرفة والقدرة على حماية أنفسهم، لا ضد الأمراض المعدية المنقولة جنسياً بما فيها العدوى بفيروس العوز المناعي البشري فحسب، بل ضد الحمل غير المقصود ودون قسر أو عنف أو تمييز أيضاً. الأمر الذي يقابله الحق في الحصول على أعلى مستوى من الرعاية الصحية. يضاف إلى ذلك أن الأشخاص المصابين بهذا الفيروس ممن يتلقّون المعالجة المضادة للفيروسات يعيشون حياة أطول وأكثر صحة، ويتطلَّبون خدمات تلبّي احتياجات صحتهم الجنسية والإنجابية في سياق احترام حقوقهم. ولكن الأمر مازال بحاجة إلى نشر التوعية واكتساب ثقافة جنسية تنقص مجتمعنا، الأمر الذي يتحقق بتضمينها المناهج الدراسية. فالصحة الإنجابية تتأثر بحالة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتتأثر سلباً بانتشار الأمية والبطالة وبتقاليد المجتمع وعاداته ومعتقداته وقيمه. كما تتأثر بالبيئة الأسرية والعلاقات المتشابكة بين أفرادها. وتتأثر أيضاً بمكانة المرأة في المجتمع. وعندما نُضمِّن مناهجنا وكتبنا معلومات تنشر الثقافة الجنسية وتعزز الصحة الإنجابية نحصل بذلك على أسرة تتمتع بالصحة، التي تنعكس إيجاباً على صحة المجتمع ووقايته من الأمراض المختلفة التي تؤثر في نموه وتقدمه.

العدد 1105 - 01/5/2024