صور أطفالنا اليوم

يبقى الأطفال الشريحة الواسعة التي تدفع الثمن من حياتها وأمنها ودراستها، مع دخول الأزمة السورية عامها الثالث، فقد تعرض الأطفال في عامي الأزمة إلى عدد من المواقف الصعبة، وقد كان هذا التعرض شخصياً ومباشراً أحياناً، أو أخذ طابعاً غير مباشر في أحيان أخرى، وذلك من خلال تعرض الآخرين المحيطين بالطفل للمواقف الصعبة.

مواقف مؤلمة كثيرة صاحبت أطفالنا وسط ظروف إنسانية صعبة، كتلك التي عاشها بعض هؤلاء الأطفال في المخيمات، وبعضهم تحولوا من أبرياء يرعبهم مشهد العنف إلى مقاتلين شركاء في صناعة الموت. ومنهم قضى نحبه متأثراً برصاصة غدر اغتالت براءته، فأضحت ذكريات الطفولة عند الكثيرين ملطخة بمشاهد القتل التي لا تزال عالقة بذاكرتهم أو عيونهم حتى الآن.

فالأطفال السوريون أصغر من أن يفهموا تعقيدات الحرب المركبة والوحشية التي تدار باسم مستقبلهم، ولكنهم يدركون ما ينبغي أن يشعروا به في مرحلة الطفولة.

إننا هنا نتساءل: من المتأثر الأكبر من الأزمة والعنف؟! أليس هو الطفل الذي يكبر على سماع أصوات القذائف ورؤية القتل؟ يقول بعض علماء النفس إن الطفل يختزن هذه الصور في العقل الباطن، وهي تؤدي إلى مشاكل نفسية لا تنتهي بنهاية الطفولة، بل تؤثر على منظومته العقلية والنفسية لتشكل أسلوب الحياة لديه. لقد انعكست الأزمة سلباً على مجالات الحياة كافة، ولكن تأثيرها على الأطفال كبير جداً، وسنحصد نتائج ذلك مستقبلاً، إذ سيتحول طفل اليوم إلى شاب يملؤه العنف في الغد. فألعاب الأطفال اصطبغت اليوم بطابع الأزمة وعنفها؛ واكتسحت ثقافة العنف عالم الأطفال وبراءتهم. فمن كان سابقاً يلعب بالبندقية البلاستيكية متخذاً دور الشرطي أو الحرامي، أمسى اليوم يتخذ من الواقع الراهن مسميات جديدة للعبته: (مندس، شبيح..).

ولم تعد الرسوم المتحركة بأبطالها وشخصياتها تستحوذ على عقل الأطفال، بل أضحى الأبطال من وجهة نظرهم شخصيات تمسك السلاح على الأرض، وتحول معها عدد من الأطفال من متأثرين إلى فاعلين. فتحولت البندقية البلاستيكية من دميةٍ يلعب بها الطفل، إلى بندقية يتداولها الأطفال برفقة المعارضة المسلحة التي وضعتهم أمام مستقبل ربما يغير موازين أحلامهم وطموحاتهم المنتظرة ليتقلب شبابهم الموعود على أكف الضياع، وربما على كف الموت نفسه. وقد انتشر الكثير من التقارير ومقاطع الفيديو التي تبرز تجنيد الأطفال ورؤيتهم وهم يقاتلون ويواجهون أحياناً ويرمون بقواذف (الآر بي جي) في أحيانٍ أخرى، فاستبدلت الأزمة بثقافة المحبة والتسامح لغة القتل والعنف، وصبغت الحياة بالأحمر، وحولت مستقبل أطفالنا للأسود. ونأمل ألا يكون مستقبل السوريين عالماً لا مكان فيه للتسامح وتقبُّل الآخر، ويكون جيلنا القادم قد رسخت في أفكاره ووعيه. ونأمل ألا يكون للأزمة آثارها الكبيرة على الحياة الاجتماعية، وتتجلى مستقبلاً في بروز ثقافة جديدة لا تعرف إلا العنف وسيلة سعياً لسحق الآخ

العدد 1105 - 01/5/2024