آخر عمالقة الزمن الجميل في رحيل الموسيقي عمار الشريعي

إن المتتبع لموسيقا الراحل عمار الشريعي يكتشف مدى الثقافة الموسيقية العالية، واتساع أفق الجمل الموسيقية التي يمتلكها من خلال التنوع في المقطوعات التي أبدعها عبر مسيرته الفنية الطويلة. إضافة إلى كشفه تفاصيل المشهد الدرامي في المسرح والسينما والتلفزيون، وكتابة الجمل الموسيقية التي تتماهى وذروة المشهد الدرامي بتفاصيله المختلفة. ولا يشتغل الشريعي على الإبداع الموسيقي وحده، بل إنه يغوص في بحر النغم عبر تحليلاته وقراءاته النقدية لأغلب الأعمال الموسيقية والغنائية لعباقرة الموسيقا في العالم العربي، مثل قراءاته على شكل حلقات لشيوخ الطرب وعباقرة الموسيقا العربية.

ويصور الشريعي في موسيقاه الحالة الأكثر التصاقاً بالفكرة الواقعية، فهو يلحن الكلمات وكأنها مشهدية في إطار غنائي معين، وحين يلحن ويكتب موسيقاه  يرسم في جمله اللحنية حركة الكائن وعلاقته بالمكان. فمن منا لايذكر موسيقا مسلسل (رأفت الهجان) التي أصبحت موسيقا متداولة بين العشاق والمهتمين بالموسيقا الراقية، وخصوصاً حين يتصدر صوت العود في تلك الملحمة الموسيقية المشهد  ويقود الآلات الشرقية  إلى ذروتها في اللحن والأداء.

وُعرف عن الراحل تتبعه وقراءاته للكتب الجديدة والألحان والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، لذلك كان يقدم في ابتكاراته اللحنية سواء في المشهد الدرامي أو في ألحان الأغنيات الجديدة جملاً موسيقية أكثر ابتكاراً وحداثةً، مبتعداً عن النمطية والكلاسيكية في كتابة الموسيقا.

ويعد الشريعي واحداً من أهم  رموز عالم الموسيقا في مصر والعالم العربي.

  ولد في 16 نيسان عام 1948 في مدينة (سمالوط) إحدى مراكز محافظة المنيا بصعيد مصر.  بدأ حياته العملية عام 1970بعد تخرجه في الجامعة مباشرة عازفاً لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية التي كانت منتشرة في مصر آنذاك، ثم تحول إلى آلة الأورغ الكهربائية، إذ بزغ نجمه  كأحد أبرع عازفي جيله، وعدّنموذجاً جديداً في تحدي الإعاقة، نظراً لصعوبة وتعقيد هذه الآلة واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار.

تجاوزت  أعماله السينمائية 50 فيلماً، وأعماله التليفزيونية ال 150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، وعشر مسرحيات غنائية استعراضية، وقد قام كذلك بتلحين الكثير من الأغنيات لنجوم الغناء في مصر والعالم العربي،  وقدم بنفسه عدداً من البرامج الشهيرة، أبرزها البرنامج الإذاعي الذي استمر عدة سنوات  (غواص في بحر النغم).

وأهم إبداعاته الموسيقية على مستوى التأليف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا ،  ومتتالية على ألحان عربية،إضافة إلى مشاركته بالتعاون مع شركة ياماها اليابانية في استنباط ثلاثة أرباع التون من الآلات الإلكترونية. وشارك بالتعاون مع شركة إميولتور الأمريكية في إنتاج عينات من الآلات التقليدية والشعبية المصرية والعربية. وابتكر العديد من الإيقاعات والضروب الجديدة. وأعاد صياغة وتوزيع العديد من المقطوعات الموسيقية والأغنيات.

أما أعماله التلفزيونية في الموسيقا التصويرية فهي ( أهل الهوى 2012  حارة العوانس   أحلام عادية   ريا وسكينة  الشهد والدموع  آرابيسك  وقال البحر  ومسلسل رأفت الهجان بأجزائه الكاملة ).

ومن أهم أعماله السينمائية 🙁 حكاية شاب عمره ألف عام  كراكون في الشارع  البريء  مغاوري في الكلية  أحلام هند وكاميليا  نور العيون  عصفور الشرق  حب في الزنزانة  حليم  كتيبة الإعدام).

ومن أعماله المسرحية 🙁 رابعة العدوية  الواد سيد الشغال  علشان خاطر عيونك  إنها حقاً عائلة محترمة  الحب في التخشيبة  تصبح على خير ياحبة عيني)،

ومنذ الأيام الأولى للاحتجاجات التي طالبت برحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان للشريعي موقف واضح، وذهب للتضامن مع المحتجين في ميدان التحرير، وأصيب بأزمة قلبية نتيجة الإرهاق،

 و أعلن ظهر الجمعة الماضي عن وفاته داخل إحدى مستشفيات القاهرة عن عمر جاوز 64 عاماً بسبب  أزمة صحية لازمته في العام الأخير كله. وشيع جثمانه يوم السبت  الماضي في القاهرة بحضور عدد كبير من المبدعين والمثقفين وأصدقاء الراحل الكبير وذويه.

العدد 1105 - 01/5/2024