في معهد (إميل توما) ندوة حاشدة تناولت: الحركة الوهابية من نشأتها وفكرها إلى تورطها في المؤامرة الإمبريالية على سورية

شهد معهد (إميل توما) للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية ندوة حاشدة حول الحركة الوهابية قام المعهد بتنظيمها، بالاشتراك مع اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية. واستقطبت الندوة اهتماماً بالغاً لدى قطاعات واسعة من المهتمين وصلوا من مختلف مناطق البلاد غصت بهم قاعة المعهد وغرفه، وبحضور إعلامي هام.

وكان المحامي وليد الفاهوم، عضو إدارة معهد إميل توما الذي أدار الندوة، قد ندد بقرار سلطات الاحتلال رفض التصريح للكاتب الفلسطيني التقدمي سعيد مضيّة بالوصول إلى حيفا قادماً من بلدته حلحول لتقديم محاضرته الهامة في موضوع الحركة الوهابية، فاضطر إلى إرسال مداخلته التي سيقوم المعهد بالتعاون مع الكاتب بإصدارها لاحقاً.

وليد الفاهوم: (الحملة الوهابية اليوم ترى بالإسلام الوسطي ألدّ أعدائها)

 وقدم وليد الفاهوم مداخلة تناولت العنف والاغتيالات التي تمارسها وتبررها وتدعو إليها الحركات السلفية والوهابية في سورية اليوم، بحق علماء وممثلي الإسلام المعتدل وعلى رأسهم الشيخ محمد رمضان البوطي مؤكداً: أن الاعتدال والوسطية في جميع الطوائف والمذاهب وقبول المختلف أمر مرعب في نظر هؤلاء، خاصة أن هذا الاعتدال قد تجذر في صفوف السوريين منذ أمد بعيد. أما العنف ضده فهو العنف الحلال، وذبح المؤمنين المتنورين، ذبح النعاج هو ذبح حلال. وإن الله قد اشترى من الإسلامويين الظلاميين أنفسهم بالبترودولار الحلال)، وأضاف: (مع هذا العنف انهارت الأنظمة الاجتماعية الأخلاقية والقيَميّة، حتى وصل الأمر إلى الدعارة الحلال بجهاد النكاح، وسبي النساء السوريات واغتصابهن ملكًا لليمين.

 وتابع: ما ظاهرة الوهّابية إلّا تحصيل حاصل. فالمادة تسبق الفكرة والمادة تحدد نمط الفكر. لذلك لا بدّ أن ينتج الإنتاج المادي المتخلف فكرًا متخلفًا، يقف بالمرصاد لكل تقدّم بهدف المحافظة على مصالح الراهن. وخلص الفاهوم إلى أن (الحملة الوهّابية اليوم هي على المختلف دينيّاً وطائفياً، وحتى على غير المختلف مذهبيًّا لكنه يختلف فكريًّا ونهجاً، فهي ترى في الإسلام المعتدل والوسطي على جميع مذاهبه، ألد أعدائها، من هنا علينا أن نرى لماذا قتل البوطي وتلاميذه؟ ومن هنا أيضًا علينا أن نسأل كيف يكون الوضع حيال العلمانيين غدًا؟

إسكندر عمل: بقيت السّعوديّة حتّى اليوم مُصدِّرًا للجماعات السّلفيّة التّكفيريّة

وتطرّق المؤرّخ إسكندر عمل إلى تطوّر مفهوم السّلفيّة الّتي لم تكن تحمل في البداية مدلولات سلبيّة، ودعت إلى العودة إلى السّلف الصّالح، الرّسول والصّحابة، وشدّدت على التّوحيد لِما كان في العالم الإسلامي من شرك. وهذا ما دفع محمّد بن عبد الوهّاب إلى تأسيسها. وأوضح كيف تحوّلت إلى جماعات إرهابيّة تكفيريّة تقتل كل من يعارض فكرها، وأشار أنّ مصدر إلهام السّلفية هو تفسير الشّيخ ابن تيميّة للمذهب الحنبلي، أكثر المذاهب السّنيّة تشدّدًا، لأنّه يعتمد حرفيّة النّص في القرآن الكريم والحديث النّبوي، أي إبعاد أي دور للعقل أو اجتهاد الرّأي أو القياس. ودعا ابن تيميّة إلى قتال كلّ طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظّاهرة.

وتحدّث عمل عن تطوّر الدّولة السّعوديّة الّتي تبنّت السّلفيّة (الوهّابية)،وعن تعاونها مع الإنجليز بعد أن تعاونا على القضاء على حكم حسين (حليف بريطانيا سابقًا)، ثمّ تغلغل النّفوذ الأمريكي الّذي نهب ثروات البلاد البتروليّة، وتآمرها على الحركة القوميّة العربيّة، جمال عبد النّاصر والجمهوريّة العربيّة المتّحدة، وبقيت السّعوديّة حتّى اليوم مُصدِّرًا للجماعات السّلفيّة التّكفيريّة، خاصّة إلى سورية اليوم لمحاولة القضاء على آخر دولة ممانعة تقف سداً أمام الإمبرياليّة والصّهيونيّة.

 

حسيب النشاشيبي: الدعوات السلفية الملحاحة للعودة إلى الدين تسترتعلى التحالف بين الهيمنة الإمبريالية ونظم الاستبداد والتخلّف السياسي المعاصر!

وفي مداخلة حسيب النشاشيبي، عضو إدارة (مركز فؤاد نصار)، رأى أنه في جميع المجتمعات العربية  الإسلامية، عجزت الحركات الوطنية والثورات المناهضة للسيطرة الكولونيالية عن اجتثاث التراكيب الاجتماعية المتخلفة وأفكارها المتخلفة. ولهذا لقيت التيارات السلفية تجاوباً عارماً مع طروحها. وأضاف: (كان من شأن تكثيف الطقوس الدينية وكذلك الدعوات الملحاحة ل(العودة للدين) شرطاً لانتظام شؤون المجتمع على الطريق السوي… أن غيَّبت واقع الهيمنة الإمبريالية وموَّهت الدور الذي يلعبه نشاط الرأسمالية على الصعيد الدولي. كما تسترت على التحالف بين الهيمنة الإمبريالية ونظم الاستبداد السياسي المعاصرة، والتي تواصل استبداد العصر الوسيط.

وأضاف النشاشيبي: (إن دور السعودية التي تعتمد المذهب الوهابي المتشدد، الذي ينادي بطاعة الحاكم العمياء حتى لو ظلم، في خدمة أهداف المشروع الأنجلو أمريكي الإسرائيلي، فقد كانت هذه الخدمات سابقة للإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، فقد أجهزت السعودية على بقية التضامن العربي الهش وطليعته الناصرية بعد حرب ،1973 وسعت لتغليب الهوية الدينية على الهوية القومية للعرب، وبادرت إلى إنشاء مجلس التعاون الخليجي بديلاً سياسياً ملكياً قبلياً لأي تحالف عربي يمكن أن ينشأ بين الشعوب العربية وبديلاً للجامعة العربية الضعيفة. وقادت استبدال تضخيم الخطر الإيراني الشيعي بالنضال ضد الامبريالية والاحتلال الصهيوني للأرض العربية، وذلك بخلق الفرقة الدينية بينه وبين العرب السنة. وبذلك تكون السعودية الوهابية قد خدمت مخططات الإمبريالية منذ نشوئها كدولة).

عصام مخول: ماذا إذا كان المتآمرون على سورية قد غدروا بفلاسفتهم؟!

وهاجم عصام مخول رئيس معهد إميل توما بشدة، تلك الأصوات في وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية، من الذين انفلتوا في وجوهنا وحاولوا إخراس صوتنا ونزع الشرعية عن موقفنا، لمجرد أننا حذرنا في وقت مبكر من المؤامرة الإمبريالية وطابعها الإرهابي العالمي على سورية وعلى المنطقة، ومن أن ما نشهده هو إعادة هيكلة (للشرق الأوسط الجديد)، ترافقها إعادة هيكلة للإرهاب العالمي وتنظيم القاعدة الإرهابي على أرض سورية. واتهمونا بأننا مجرد أسرى (نظرية المؤامرة).

وتوقف مخول عند مناقشة مفكر عربي نشر محاضرة قدمها مؤخراً في قطر، تفيد بأن (المثقف الذي يعادي الثورة يفعل ذلك لأنها مؤامرة. وشأنها شأن كل مؤامرة، لا تتضح خيوطها الخفية إلا لاحقاً، وليس بوسعه الآن إلا تقديرها لنا بالتخمين والمضاربة، ناشراً في طريقه اللاعقلانية والجهل والإسفاف…) ورأى مخول أن المشكلة مع هذا التحليل، أنه لم يأخذ في الحسبان أن يغدر المتآمرون بالقائمين على تبرير المؤامرة والتستر عليها، ولم يأخذ في الحسبان أن يسارع المتآمرون أنفسهم إلى الإعلان على الملأ وعن كل منصة، عن تآمرهم على سورية لتفكيكها، فماذا تعني المطالبة بالانتظار؟

واستعرض مخول ما تناقلته وسائل الإعلام عن توقيع اتفاقية بين سجناء القاعدة في السعودية وبين محمد بن نايف آل سعود الذي يعدّ عدو القاعدة الأول في هذا البلد. تتضمن هذه الاتفاقية: (إطلاق سراح السجناء وتقديم مبالغ مالية لهم مقابل التوجه مباشرة إلى سورية، لمقاتلة الجيش السوري). وما تناقلته صحيفة (هاآرتس)، وصحيفة (الديلي تلغراف) من أن علاقات الأمير بندر بن سلطان القوية بالسي.آي. إيه من جهة، وعلاقته المتينة مع تنظيم القاعدة من الجهة الأخرى، كانت من أهم الأسباب التي جعلت منه رئيساً للمخابرات السعودية. (فالسعودية تريد أن ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط بعد بشار الأسد). وتسعى تحت إشراف بندر لإعداد موجة جديدة من متبني فكر القاعدة من السعوديين واليمنيين، وإرسالهم إلى داخل الأراضي السورية ليلعبوا دور حلقة الوصل بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة، بعد أن كانت قطر التي أخذت تنافس السعودية على خدمة المشاريع الإمبريالية الأمريكية، قد نظمت أكثر من قطار جوي لنقل الألوف من مقاتلي القاعدة ومنظمات الإرهاب من ليبيا والعراق وباكستان وبنغلادش إلى سورية وتخومها. ويأتي ذلك في وقت تزيد فيه الولايات المتحدة من اعتمادها على قطر وحركة الإخوان المسلمين على حساب مكانة السعودية لتمرير مشاريعها في المنطقة، حتى تندّر الناس بأن كل ما يحدث هو (قضاء وقطر)!

مداخلات قصيرة وإضاءات هامة

وقد أغنيت الندوة بعدد من المداخلات القصيرة قدمها على التوالي الشيخ عبد الله بدير، والنائب السابق سعيد نفاع، والكاتب والقائد السياسي الفلسطيني نعيم الأشهب، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي عدنان أبو ربيع، والتي أضاءت جوانب مختلفة من موضوع الحركة الوهابية ودورها التاريخي ومواصفاتها وممارساتها وموقعها في التآمر على شعوب المنطقة. وأشارت المداخلات إلى العلاقة الطردية بين حجم مديونية بعض دول النفط ورهن مواردها الطبيعية وثرواتها للمركز الإمبريالي، وبين حجم تبعيتها للمشاريع الإمبريالية التآمرية في المنطقة، وإلى التناقضات الحادة المندلعة في داخل حركات الإسلام السياسي المتنافسة ودورها في تمرير المشاريع الإمبريالية في المنطقة وحتمية الإصلاح القائم على فصل الدين عن السياسة

العدد 1105 - 01/5/2024