هل ثمّةَ مايُثبت تورط إسرائيل في الأزمة السورية؟

لم تَعُدْ العلاقة بين الكيان الصهيوني وبعض أطراف مايسمى ب(المعارضة السورية)، لاسيما المسلحة منها، موضع شكٍّ أو إنكار لدى الكثيرين من المتابعين للشأن السوري، وخاصة في الفترة الأخيرة. ذلك أن كثيراً من التصريحات الصهيونية وتصريحات بعض قادة المجموعات المسلحة تؤكد هذه العلاقة. هذا فضلاً عن شحنات الأسلحة التي سلّمها الصهاينة للمعارضة المسلحة بطلبٍ من الولايات المتحدة، وبتمويل من بعض الدول العربية في أحيان كثيرة. إذ أكدت إذاعة الاحتلال الصهيوني يوم 24/7/2013 أن السعودية اتفقت مع (إسرائيل) على تمويل صفقةٍ لشراء أسلحة قديمة من الجيش الإسرائيلي بقيمة 50 مليون دولار، بهدف إرسالها إلى المعارضة المسلحة في سورية. وأكدت الإذاعة أن هذه الأسلحة تتضمن قواذف مضادة للدروع، ورشاشات ومدافع وعربات خفيفة وذخيرة وقطع غيار وأجهزة اتصالات ورؤية ليلية. منبهة أن هذه الأسلحة لن تؤثر على الجيش الإسرائيلي في حال وقعت في أيدي الجيش السوري أو ما سمّتها الحركات الإرهابية.

وثمة ما يؤكد (أن هاتين الشحنتين من السلاح الإسرائيلي تضمّان صواريخ ضد الدروع، وقذائف متوسطة المدى، وأسلحة خفيفة، وقناصات عالية الجودة والدقة). وتؤكد المعلومات (أن الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع دول عربية ستزود المعارضة، بمدرعات خفيفة سيجري إدخالها عبر الحدود التركية، ومنها إلى مناطق مختلفة داخل سورية).

وتؤكد صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) تستعد لإرسال شحنات أسلحة إلى جماعات المعارضة السورية عبر قواعد سرية في تركيا والأردن. فيما تحدثت القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني يوم 16/6/2013 عن اجتماع جرى في أيار 2013 في العاصمة البريطانية لندن، بين مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، ومسؤولين قطريين لمناقشة كيفية تسليح المعارضة السورية، وتقديم كل ما بإمكانهم تقديمه لها من سلاح وغيره. وأضافت القناة – على موقعها الإلكتروني بالعبرية- أن اللقاء عقد في أعقاب قيام الاتحاد الأوربي برفع الحظر عن إمداد الأسلحة للمعارضة السورية، مشيرة إلى أنه اتُفق على أن قطر ستكون المسؤولة عن تمويل المعارضة بالأسلحة. ومؤخراً كشفت برقية تلقتها الخارجية الإسرائيلية في مطلع 2013 عن إجراء اتصالات بين دوائر سياسية في تل أبيب وكوادر المعارضة السورية في بلغاريا. ورغم أن تلك الاتصالات جرت بعيداً عن الوزير أفيغدور ليبرمان، إلا أن القائم بالمهمة أكد أنه حال عودته من صوفيا، أبلغ نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بنتائج الزيارة. وتشير معلومات كشفت الخارجية الإسرائيلية النقاب عنها مؤخراً إلى أنها تلقت برقية من سفير إسرائيل لدى صوفيا شاؤول كميسا، جاء فيها: (أن مندي صفدي، مدير مكتب نائب وزير تنمية النقب والجليل (أيوب قرة)، طاف مختلف دول العالم، وقدم نفسه على أنه موفد من الحكومة الإسرائيلية، لفتح قنوات من الحوار مع المعارضة السورية، وتؤكد المعلومات المسربة من عواصم أوربية وواشنطن ونيويورك توافد عشرات الإسرائيليين شهرياً إلى مقرات ومكاتب الائتلاف السوري المعارض في نيويورك وواشنطن للقاء المسؤولين في هذه الجماعات. وقد تمخضت هذه اللقاءات، وفق مصادر وتقارير أمريكية عن تعهد من الائتلاف بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية التي ستجري السيطرة عليها ضد إسرائيل. وأن الائتلاف يتعهد بعدم وصولها إلى أيدي حزب الله اللبناني. ويؤكد بيرغمان الكاتب في (يديعوت أحرونوت) هذه المعلومات، ويقول: إنهم نقلوا رسالة من الخطيب مفادها أنه لا يوجد خطر من الائتلاف على إسرائيل.

وثمة أدلة حسب، ر. دانييل، الخبير الأمريكي في الشأن العسكري، أن هناك دليلاً على التعاون بين الطرفين، فقد دخل عدد من الإعلاميين الإسرائيليين عن طريق الحدود المشتركة، التي يسيطر على جانبها السوري المسلحون، فيما رُصدت أسلحة إسرائيلية تسلمها الثوار وجرت مصادرتها بعد معارك مع الحكومة، مؤكداً أن قصف المصنع العسكري السوري من طرف إسرائيل جرى بمساعدة بعض أقطاب المعارضة.

ويؤكد الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، اللواء بالاحتياط عاموس يدلين19،/5/،2013 أن سقوط النظام السوري مصلحة (إسرائيلية)، لأنه يشكل خطراً عليها أكثر من أي نظام يمكن أن يأتي بعده. فيما دعا زير الخارجية ليبرمان دول الاتحاد الأوربي إلى سحب السفراء من دمشق، مطالباً بخطوات عملية ضد (نظام دمشق). ورفض في الوقت ذاته التدخل العسكري المباشر في سورية من جانب إسرائيل (هاآرتس 14 حزيران 2011 ).كما نقلت صحيفة (هاآرتس) عن مسؤولين عسكريين كبار قولهم: إن نظام الأسد آيل إلى السقوط لا محالة. (هاآرتس 3 حزيران 2011).

وإذا كان آفي ديختر، رئيس الاستخبارات الصهيونية السابق، قد طرح مسألة الدخول المباشر والعلني على خط الأزمة السورية، والمجاهرة في دعم معارضي الرئيس السوري بشار الأسد في موقف سبقه الكثير من الدعوات التي أطلقها معارضون سوريون للاحتلال الصهيوني بتقديم الدعم المباشر لهم في مواجهتهم مع القيادة السورية، فإن (أيوب قرة) كان قد كشف في الثامن والعشرين من مايو/أيار 2012 عن طلب تلقّاه من المعارضة السورية لتقديم الدعم والعون الإسرائيلي لها. وأكد (قرة)، وهو نائب وزير تطوير الجليل والنقب الصهيوني، أن عناصر مما تسمى بالمعارضة السورية راجعته بطلب التدخل لدى الكيان لدعم فعالياتهم ضد القيادة السورية، مؤكداً أنه أحال الطلب إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، طالباً منه استخدام نفوذه في المحافل الدولية لزيادة الضغط على سورية.

والحقيقة أن الرد العملي على طلب  المساعدة من الصهاينة لم يتأخر،  فقد كشفت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي في أواخر نيسان 2013 عن دخول المزيد من جرحى المجموعات المسلحة التي تقاتل في سورية إلى أحد مستشفيات (نهاريا) داخل كيان الاحتلال، بموافقة من رئيس أركان الجيش (الإسرائيلي). ويأمل قادة الاحتلال من هذه الخطوة السماح ببناء جسور تواصل مع الجماعات المسلحة في سورية في المرحلة القادمة.

مما تقدم يمكننا القول: إن الصهاينة يبذلون قُصارى جهدهم بغية مساعدة المجموعات المسلحة في إسقاط النظام، ذلك أن هذا الأمر من شأنه أن يجلب البركة للمنطقة برمتها حسب مزاعمهم. وهو ما أكده إيهود باراك في المؤتمر الدولي للسياسات، الذي عُقد في فيينا أواخر 2011. والحقيقة أن مجمل التصريحات والأفعال الصادرة عن القادة الصهاينة، تؤكد أن ثمة مصلحة (إسرائيلية) في سقوط (النظام السوري) الحالي، ومن مصلحتها أكثر أن تسود الفوضى في هذا البلد لفترة طويلة. كما أن الكيان الصهيوني يعمل كل مابوسعه بُغية إطالة أمد الفوضى والاضطراب في سورية، لأن في ذلك مصلحة إسرائيلية كبيرة، وهو ما أكدته صحيفة (معاريف) الصهيونية في 8/5/2011. والحقيقة أن التقاطع في المصالح بين المجموعات المسلحة  وبين الصهاينة تظهر بجلاء في الكثير من مواقفهم وأفعالهم، ومنها على سبيل المثال:

– اغتيال شخصيات عسكرية وعقول مؤثرة وفاعلة في تطوير برامج الدفاع السورية، ومن هؤلاء الشهداء على سبيل المثال: المهندس (أوس عبد الكريم خليل) الاختصاصي في الهندسة النووية، والمخترع الدكتور (سمير رقية) المسؤول عن برنامج تطوير الطائرات من دون طيار، وكذلك اغتيال أحد كبار الضباط العاملين في مجال الحرب الكيميائية، وغير ذلك من طيارين وخبرات قد نحتاج لعقود طويلة إذا أردنا تعويضهم.

– استهداف أهم مركز قوة الجيش العربي السوري، لاسيما تلك التي تدخل في قضية الصراع السوري الصهيوني: ومنها قواعد صاروخية ورادارات ومنصات الدفاع الجوي. وكان هذا الاستهداف يترافق دائماً مع تغطيةٍ إعلامية مرافقة، فقبل استهداف القواعد الصاروخية أشاعوا أن الجيش السوري يقصف المعارضين بصواريخ (سكود)، وتذرعوا أن ضرب محطات الرادار هو من أجل التشويش على تحليق الطيران السوري. والحقيقة أن الرادارات هي لكشف الطيران المعادي والرد عليه. وهم يحاولون دائماً إظهار الأمر وكأنه نوعٌ من دفاع المعارضة عن نفسها وليس خدمة لإسرائيل أبداً. وتُغطّى سياسياً عبر المعارضة السورية التي تبرّئ المسلحين من كل شيءٍ، وتتباكى على المدنيين أمام الرأي العام لكي يكتمل المشهد.

– استهداف مراكز البحوث العلمية في عدة محافظات، ففي حلب نُهِبَ المركز وسُرق ودُمّر جزء لا يستهان به. حتى إن المسلحين وصلوا إلى خط إنتاج الطائرات من دون طيار. وفي دمشق حاول المسلحون أنفسهم أكثر من مرة مهاجمة مركز البحوث والدخول إليه، ولكنهم فشلوا بتحقيق المطلوب منهم، فاستهدفوه بقذائف الهاون أكثر من مرة. واللافت للنظر أن هذه المراكز، منذ إنشائها حتى الآن، لم تتعرض للهجوم إلا من جهتين، الكيان الصهيوني والمعارضة السورية المسلحة. وهذا ليس تلاقياً في الأهداف وحسب، وإنما هو تنفيذ لأوامر صدرت من مشغّليهم الصهاينة. وربما هذا ما عبر عنه الرئيس الأسد يوماً بالقول: (العدو أصبح في الداخل). لأنه لا فرق بين العدو وبين من تتلاقى أهدافه مع أهداف العدو.

إنّ الرغبة الصهيونية من التدخّل العسكري المباشر، وغير المباشر، في الأزمة السورية هي مزيدٌ من التفاعلات السلبية أمنياً وسياسياً. كما أن رغبة إسرائيل تتمثل بعدم التوصّل إلى أيِّ حلٍّ في القريب العاجل للأزمة السورية، ذلك أن للصهاينة مصلحة كبيرة ببقاء هذا الكابوس الجاثم فوق المشرق العربي والمهدّد لوحدة الأوطان والشعوب، والمنذر بحروبٍ أهلية في عموم المنطقة، والمُهمّش للقضية الفلسطينية، والمؤثّر سلباً على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين مهما كانت خياراتها ومواقفها. ومن شأن استمرار الأزمة في سورية أن تصرف قيادتها، ولو آنياً، عن التفكير بمقارعة الصهاينة، ودعم حركات المقاومة العربية والإسلامية التي تناصب الصهاينة العداء.

العدد 1105 - 01/5/2024