دعم مهمة الإبراهيمي يثير حفيظة مشعلي الحرائق

تلقى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية الأخضر الإبراهيمي دعماً شكلياً لمهمته من مجلس الأمن في اجتماعه الأخير، بعد أن عرض تقريراً حول مشاوراته التي أجراها في المنطقة، وقدم أفكاراً حول رؤيته للحل السياسي. ورأى أن نجاح مهمته يعتمد على تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم، وعلى وقف تهريب الأسلحة وإرسال المسلحين إلى سورية.

وعبّر وزير الخارجية الروسي لافروف عن أسفه لعدم تبني مجلس الأمن لاتفاق جنيف، وحمّل الدول التي تنصلت من تعهداتها بموجب الاتفاق المسؤولية عن عرقلة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.. ورأى أن ادعاءاتها بشأن محاربة الإرهاب متناقضة، لأنها تدعم المجموعات المسلحة في سورية بالسلاح والمال.

وأبدت الحكومة السورية تجاوباً مع مهمة الإبراهيمي، وتعهدت بتقديم كل ما يلزم لإنجاحها، لكن وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم أشار إلى أن نجاح مهمة الإبراهيمي يرتبط بوقف دول الجوار دعم المسلحين، ووقف واشنطن لرعاية لعبة تدريب المسلحين وتمريرهم إلى الداخل السوري. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون قد تعهدت بتقديم مساعدة للمعارضة السورية بقيمة 45 مليون دولار، وأكد نظيرها الفرنسي فابيوس أن بلاده تزيد اتصالاتها بالمعارضة المسلحة في سورية، كما أنها بصدد المطالبة بتسريع تشكيل حكومة مؤقتة للمعارضة السورية في الاجتماع المقبل لمجموعة ما سمي »أصدقاء سورية« المقرر عقده الشهر الجاري في قطر.

والعجيب في تفاعلات الأزمة السورية أنه كلما تحقق تقدم جزئي على طريق التوصل إلى حل سياسي، ثارت حفيظة مشعلي الحرائق من الدول التي تسعى إلى تدمير سورية وإلغاء دورها الجيوسياسي في المنطقة. إذ لم تعجب هذه الدول تقاريرُ بعثتَيْ المراقبين العرب والأمميين، ولم تقنعهم طريقة الإبراهيمي في رفض أي إملاءات، وإصراره على التزام الأطراف جميعاً بتعهداتهم في وقف العنف ووقف دعم المجموعات المسلحة، والمساعدة على إجراء حوار شامل بين السوريين دون تدخل خارجي.

وثارت حفيظة فريق واشنطن لمجرد عقد اجتماعات للمعارضات السلمية في دمشق، ورفضها للتدخل الخارجي، وتجاوبها مع جهود المبعوث الدولي الإبراهيمي. ولم تكتف هذه الدول بالتحريض الإعلامي ضد الدولة السورية، وبالمطالبة بتشديد العقوبات من كل نوع ضدها، بل وصل الأمر ببعضها إلى حد المطالبة بتدخل عسكري تحت مظلة مجلس الأمن الدولي أو من خارج المجلس.

وأعلن نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، المرتهن في تحركاته وتصريحاته لإملاءات السعودية وقطر، أنه طالب منذ شهر نيسان الماضي بتطبيق المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على فرض عقوبات اقتصادية شديدة ضد سورية، تشمل قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية والمواصلات.

ويبدو أن جهود اللجنة الرباعية، التي تضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، لن تساعد مساعي الإبراهيمي، بعد التصريحات النارية التي أطلقها رئيس وزراء تركيا أردوغان والرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمرحزب العدالة والتنمية بتركيا، وظهر فيها أن الدولتين مستمرتان في إعاقة الجهود السياسية.

ونعتقد أن طرق مقاربة الأزمة السورية، خلال اجتماعات الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، أظهرت انقساماً عميقاً في المجتمع الدولي بين رؤيتين: رؤية تركز على ضرورة حل المشكلات المعقدة بالطرق السلمية دون تدخل أو تهديد أو استقواء، وتساند هذه الرؤية روسيا والصين في مجلس الأمن ومجموعة دول بريكس ومجموعة إلبا في أمريكا اللاتينية، وإيران الرئيسة الحالية لحركة عدم الانحياز، وعدد من الدول العربية والإسلامية ودول شرق أوربا، ورؤية تذعن لزعامة الإدارة الأمريكية وهيمنتها على العالم، وتجيز لها التدخل العسكري وتغيير الأنظمة بالقوة، وبناء القواعد العسكرية ومنظومات الدرع الصاروخية والسجون السرية والتجسس والعقوبات والحصار.

ونرى أن تجربة سورية خلال سنة ونصف في إدارة الأزمة ومواجهة أعمال التخريب والتدخل والتهديد والضغوط والعقوبات، باتت موضع احترام ومساندة من دول وقوى عديدة، وأظهرت تماسك الشعب السوري ووعيه، ووحدة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، وهناك حاجة الآن لتسريع توفير بيئة ملائمة للحوار الوطني الشامل الذي يفتح أفقاً للحل السياسي. وليس غريباً أن يقابل تجاوب سورية مع كل مبادرة سياسية لحل الأزمة بخيبة أمل فريق واشنطن، إذ يزيدون الدعم للمجموعات المسلحة، ويتهمون روسيا والصين بعرقلة »حل عسكري« داخل مجلس الأمن، ويستمرون في توقعاتهم الحالمة بقرب انهيار الدولة السورية، ناسين أن مشعلي الحرائق بين الدول ولدى الآخرين سيعميهم الدخان!

العدد 1104 - 24/4/2024