الحوار السياسي الداخلي.. أم التدخل العسكري الخارجي؟

لقد بلغت الكارثة التي يمر بها الوطن، وما نجم عنها من سقوط أعداد هائلة من الضحايا وسفك للدماء وتدمير للبلاد وتهجير ومعاناة إنسانية للبشر، مستوى من العنف، أمست معه الأكثرية الساحقة من السوريين على قناعة بأنه لا بد من التوصل إلى حل يوقف هذه الكارثة عند حدها، ويحقق الأمن والأمان، من ناحية، وينقل البلاد، من ناحية أخرى، إلى مرحلة جديدة تضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع أبناء الوطن.

ومنذ بداية الأزمة حتى اليوم بدا واضحاً انقسام المعارضة بغية تحقيق أهدافها إلى تيارين رئيسيين، رغم ما يضم كل منهما من تلاوين ووجهات نظر متباينة:

أحدهما  وهو إذ يدرك أنه عاجز، وفق توازن القوى الداخلي، عن تحقيق الشعارات التي رفعها بإمكاناته الذاتية، فقد طالب،ولا يزال، بالتدخل العسكري الخارجي المباشر، كي تنجز له القوى الخارجية التي تعلن تأييدها له مطامحه في استلام السلطة.

الآخر رفض على نحو قاطع أي شكل من أشكال التدخل العسكري الخارجي، ورفع لاءات ثلاث (لا للتدخل الخارجي – لا للعنف – لا للطائفية).

واليوم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف من الصراع الدائر في البلاد، والذي استخدمت خلاله جميع أنواع العنف المسلح ووسائله، تأكد أن هذا العنف ليس الوسيلة المثلى لتحقيق أي غاية مهما سمت، فضلاً عن الثمن الباهظ الذي دفع ويمكن أن يدفع في حال استمراره، وأن الخاسر الأكبر في النتيجة هو الشعب والوطن. كما سقطت أوهام البعض باستجداء التدخل العسكري المباشر، لأن جعجعة دول ما يسمى (أصدقاء سورية) الداعمة للمعارضة الخارجية فشلت، لا نتيجة اصطدامها بجدار الفيتو الروسي الصيني وحسب، بل لإدراكها مدى صعوبة مثل هذا التوجه نحو سورية عسكرياً وإقليمياً ودولياً، وكذلك بسبب الأوضاع الداخلية الخاصة بكل منها.

في مقابل ذلك، عقدت الأسبوع الماضي مجموعتان هامتان من المعارضة الوطنية مؤتمرين لهما في دمشق، وبغض النظر عن ارتفاع أو انخفاض سقوف الشعارات التي رفعها كل من المؤتمرين، ومحتوى الوثائق التي صدرت عنهما، فإن مجرد انعقادهما في عاصمة الوطن دمشق، وتأكيدهما رفض التدخل الخارجي وخاصة العسكري، أخذاً في الحسبان ما يمثله مثل هذا التدخل، في حال وقوعه، من مساس بسيادة الوطن واستقلاله، وتهديد لوحدته، يعد خطوة نوعية هامة على الطريق الصحيح في معالجة الأزمة القائمة.

لا نعتقد أن أحداً في سورية لا يزال يتصور أنه من الممكن أن تعود الأوضاع إلى ما يشبه تلك التي كانت عليه قبل منتصف آذار من العام المنصرم، ومن المؤكد أن التضحيات التي قدمها شعبنا، والدماء التي بذلت خلال هذه الفترة لن تذهب سدى، وستزهر مجتمعاً أفضل وأجمل، وبلداً أحلى مما كان، يتمتع كل مواطن فيه بالحرية والكرامة، ويحكم فيه القانون والقضاء المستقل، وتسود بين أبنائه المساواة والعدالة الاجتماعية، وتشيع في أرجائه الديمقراطية والرفاهية.

إلا أن الوصول إلى تحقيق هذا الهدف المجمع عليه لن يتم بالتمنيات والرغبات. ولا بد من أجل ذلك أن يتخلى الجميع عن التمترس بالمواقف المتطرفة المسبقة، والعمل على نحو جاد وصادق في سبيله، مهما اختلفت الآراء، وتباينت وجهات النظر، فقد ثبت أن كل طريق آخر فاشل وذو ثمن باهظ جداً.

الطريق هو طريق الانتقال السلمي والآمن. والوسيلة الوحيدة الممكنة هي الحوار المسؤول بين جميع الأطراف التي يوحدها الطموح إلى تحقيق هذا الهدف.

ومن أجل تهيئة المناخ المناسب للانطلاق نحو هذا الحوار، لابد من البدء بوقف العنف واستخدام السلاح من جميع الأطراف، وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، والإسراع بمعالجة أوضاع المهجرين والنازحين.

العدد 1105 - 01/5/2024