العمل الخيري في سورية أيضاً يتعرض لعقبات

لعل العمل الخيري في سورية من النقاط الناصعة القليلة في واقعنا الأسود، كم نحن بحاجة إلى بناء الإنسان فينا، ذلك الإنسان الذي يستحق أن يوازي بسموه هذه الأعمال العظيمة.

تكثر المبادرات الشبابية والاجتماعية يوماً بعد يوم، وخاصة تلك المتعلقة بإيواء المشردين وإطعام الجياع، ونشعر بكل الفخر والسعادة بشبابنا المتطوعين مع كل صورة تنشرها مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الخاصة بهذه المبادرات.

(إننا نحمل آلام الفقير ونرى بركة الله فيه) يقول مكسيم (maxim) مدير موقع القديس سيرافيم الإلكتروني والمشرف على مجموعة من الشبان والشابات المنتسبين إلى الموقع المذكور، والذين يقومون بجملة من الأعمال الخيرية والمساعدات بدوافع إنسانية وإيمانية تحت علم الكنيسة، معبراً بقوله هذا عن مجانية وإنسانية الأعمال التي تقوم بها مجموعته الخيرية، مؤكداً أنهم يرون أنهم هم بحاجة إلى الفقير لينالوا البركة الإلهية لا العكس.

وعن العقبات والمعاناة التي تواجه هذه المبادرات أعرب موقع مكسيم عن وجود مجموعة من الصعاب على صعيدين:

الأول: يتعلق بجمع التبرعات العينية والمادية، ولا ننسى طبعاً أن الظروف الاقتصادية التي تزداد صعوبة تنقص قدرة المانحين وترفع أعداد المحتاجين واحتياجاتهم التي تزداد كلفة، ويتضمن هذا الجزء من الصعوبات إيجاد المتبرع الذي يمتلك الفكرة الحقيقية والنقية حول التبرع وليس مجرد الأموال.

الثاني: هو تقديم فكرة العمل الخيري للمتطوعين والمتطوعات وجعلهم يؤمنون بقضيتها التي ستحرك حماستهم للعمل لفترات مستمرة.

ومن هنا يرى مدير العمل أن عمله يتطلب التركيز على جانبين معاً، الأول هو المحتاج واحتياجاته، والثاني هو فريق العمل نفسه، وهو الذي يجعل الإيجابيات تزداد في العمل الخيري، إذ تشمل توعية الجيل الشاب وزرع الأفكار الإنسانية في نفوسهم لأنهم سيحملون مسؤولية هذا العمل وإنسانيته في المستقبل.

كثيراً ما يغيب الترخيص

وعند مراجعة هذه المجموعات الخيرية ونشاطاتها تبدو أن معظمها قائم بذاته، يقوم بأعمال بسيطة بعيداً عن رخصة قانونية أو تصريح علني بالأعمال، رغم أننا بكل تأكيد لا نستثني وجود جمعيات ومبادرات مرخصة وعلنية كثيرة.

ولكن يفضل البعض الابتعاد عن الترخيص والدخول في مساءلات قانونية تضيع الوقت والجهد، ورقابات مادية، وعقبات أخرى..

بينما قدم موقع مكسيم معلومات غريبة وأسباباً مختلفة لغياب ترخيص مجموعته، رغم أن الفكرة قد طرحت بينهم، وتلخصت هذه الأسباب في أن الجمعيات الخيرية تكتسب الشهرة فيقصدها الجميع حتى غير المحتاجين! بينما تريد مجموعته البحث عن أفقر الأسر وأشدها حاجة، هذه الأسر المنسية بعيداً عن الأضواء، تحتاج إلى من يبحث عنها بعيداً عن أضواء الجمعيات الشهيرة.

بين العمل التنموي والعمل الخيري

يشكل العمل التنموي رديفاً للعمل الخيري لا يقل أهميةً عنه، فهو يؤسس لحلول أوسع للمشكلات الاجتماعية تظهر آثارها بشكل أفضل على المدى البعيد.

لكن لا يمكن أن يقوم الجميع بالعمل التنموي أو الجميع بالعمل الخيري، فلا بد من توفر كلا النوعين، يقول مكسيم، إذ إننا لا نستطيع أن نمارس الأعمال التنموية على الإنسان الجائع الذي يبحث عن لقمة لأطفاله، وفي نفس الوقت وجود العمل التنموي لمساعدة من يمكن مساعدته بهذا النوع من الأعمال ضروري جداً، لذلك علينا التعاون لتتكامل أعمالنا في المجتمع.

أمل ومشاعر كثيرة تركها اللقاء في قلبي، كل الحب لهؤلاء الشبان المتطوعين ومديرهم. وفي النهاية لا يمكننا بعد الاطلاع على هذا الشباب المندفع للخير وعلى هذا العطاء من المتبرعين إلا أن نكون فخورين كل الفخر بالعمق الإنساني للمجتمع السوري الذي نتج عن آلاف السنين من الحضارة المتأصلة في نفوس أبنائه..

العدد 1105 - 01/5/2024