الجمعيات التنموية تبحث عن قانون يحميها

لا ينكر أحد الأدوار والوظائف المطلوبة من الجمعيات على اختلاف أنواعها أن تقوم بها في خدمة المجتمع وتنميته، وذلك لدورها الكبير في إرسال لبنات المجتمع المدني، وتكرس قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، مع العمل على توعية المواطنين وتمكينهم والدفاع عن حقوقهم. فالعمل الاجتماعي والتنموي التطوعي من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات، لكن عمل الجمعيات في سورية مازال يشوبه حتى اليوم الكثير من الشائبات. البعض يعزوها إلى القوانين والأنظمة التي تحكم عملها، فقد كبلت هذه النظم الجمعيات وظلت عاجزة عن الرقي بدعامات النهوض بأداء هذه الجمعيات وأدى إلى تباطؤ فرص التأهيل والتخلص من الأساليب التقليدية في عملها. وآخرون يعزونه إلى ثقافة المجتمع. أسباب كثيرة منعت الجمعيات من تلبية المطالب الحقيقة والأساسية للأدوار المنوطة بها، وهو ما تجلى في سنوات الأزمة التي تعيشها البلاد حالياً، والتي أظهرت أن هناك حاجة ملحة للتجاوب مع احتياجات الشارع السوري، وخاصة الشباب-ات من أجل تأسيس جيل من الجمعيات قادرة على إحداث المرجو منها.

حتى30/3/2012 بلغ عدد الجمعيات الأهلية 1461 جمعية موزعة على المحافظات السورية كافة، وهذه الإحصائية تشمل جميع الجمعيات المشهرة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية وفق أحكام قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 93 لعام 1958 بحسب مدير الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية الأستاذ محمد فراس نبهان. وقد بيّن أن 70% من الجمعيات يعمل في المجال الخيري بسبب ثقافة مجتمعنا التي تقوم على عمل الخير وذلك بجمع التبرعات (العينية-النقدية) وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.

وأشار السيد نبهان أنه في الآونة الأخيرة دعمت الحكومة الجمعيات الأهلية بحيث أصبح ينظر إليها على أن لها دوراً مكملاً لدور الدولة وشريكاً لها في جميع المجالات، وقال: (وقّعنا مؤخراً على شراكة بين وزارتنا والجمعيات الأهلية من أجل تقديم خدماتها ضمن معاهد الرعاية التابعة للوزارة في مجال الإعاقة ومعاهد إصلاح الأحداث الجانحين ودار زيد بن حارثة لرعاية اللقطاء).

وفيما يتعلق بقانون الجمعيات الحالي بيّن مدير الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية أن هناك دراسة له ومقترحات لتعديله بقانون أكثر عصرية.

أما عن أسباب ندرة وجود جمعيات تنموية في سورية أسوة بالخيرية، إذ تنخفض أعدادها لنسب كبيرة مقارنة مع نسبة التعداد السكاني قالت السيدة (سوسن زكزك) الناشطة في قضايا النساء والمجتمع المدني: (إن التعليمات التنفيذية رقم 9/د/62 تاريخ 8-8-1974الخاصة بقانون الجمعيات، تطلب من المكاتب التنفيذية في المحافظات (رفض طلب شهر أنظمة الروابط والجمعيات والأندية ذات الأهداف المتماثلة مع أهداف المنظمات الشعبية. وعدم شهر أي جمعيات نسائية عملاً بالمرسوم التشريعي رقم 121 لسنة 1970). مما يعني أن تشكيل منظمات تعمل في مجالات الطفولة والشباب والنساء .. أمر غير متاح، وتساءلت: »ففي أي مجال يمكن العمل إذاً؟!».

وأضافت السيدة زكزك: (هذا عدا العقبات الجمة أمام حرية تأسيس وعمل الجمعيات التي يمتلئ بها القانون، والتي تصل إلى جعل الوزارة خصماً وحكماً في الوقت ذاته. ففي قانون الجمعيات (93/1958) وتعديلاته، المعمول به في سورية، تنص المادة 23 على إلزامية (إبلاغ الجهة الإدارية المختصة بكل اجتماع للهيئة العامة قبل انعقاده.. وبالمسائل الواردة في جدول الأعمال. وللجهة الإدارية أن تندب من يحضر الاجتماع، كما يجب إبلاغ الجهة الإدارية بصور من محضر اجتماع الجمعية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الاجتماع). وتعطي المادة 24: (ب- لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حق دمج الجمعيات المتشابهة في الأهداف إذا وجدت ضرورة لذلك). كما تسمح المادة 35: (للجهة الإدارية المختصة في حالة الاستعجال وقف العمل بأي قرار يصدر من مجلس إدارة الجمعية أو جمعيتها العمومية أو من مديرها إذا رأت أنه مخالف للقانون أو للنظام أو للآداب).

وإضافة إلى ما سبق تنص المادة 36: (أ- يجوز بقرار مسبب من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حل الجمعية في إحدى الحالات التالية: .. 3- ممارسة الجمعية نشاطاً طائفياً أو عنصرياً أو سياسياً يمس بسلامة الدولة. 4- ممارسة الجمعية نشاطاً يمس الأخلاق والآداب العامة. .. 7- إذا رأت الوزارة عدم الحاجة إلى خدمات الجمعية. ب- يعتبر قرار حل الجمعية قطعياً لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة)، وبينت أن المشكلة تكمن هنا في أمرين: أولهما: هو ما هي معايير قياس النشاط الطائفي أو الذي يمس بسلامة الدولة أو يمس الأخلاق والآداب العامة؟ ومن يحدد مدى الحاجة إلى خدمات هذه الجمعية أو تلك؟! أما ثانيهما فيتمثل بأن قرار الحل هو قرار قطعي غير قابل للاستئناف والطعن.

وقالت: (لهذه الأسباب لا يوجد فرصة لتطوير العمل الجمعياتي في سورية نحو العمل التنموي، ولهذه الأسباب أيضاً عدد الجمعيات قليل جداً في سورية، ولا يتناسب مع طبيعة الشعب السوري المبادر، والذي يشهد له تاريخ فترة ما بعد الاستقلال (1946-1958) بفاعليته السياسية والمدنية. كما أن عدد الجمعيات لا يتناسب مع عدد السكان، خاصة إذا قارنا بين نسبة عدد سكان سورية من سكان الوطن العربي والتي تقارب 9% وبين نسبة الجمعيات في سورية التي لا تتجاوز 0.07%من العدد العربي!

ومن المؤكد أن من يتحمل مسؤولية وجود هذا العدد (الهزيل) من الجمعيات في سورية هو العقلية التي تتعامل بها الدولة مع العمل المدني، لأنها تصر على تقييد حق المواطنين في العمل المجتمعي الحر والآمن).

وفيما يتعلق بالثغرات الموجودة في قانون الجمعيات الحالي قالت الناشطة في قضايا النساء والمجتمع المدني إنه: »يصعب الحديث عن (ثغرات) في قانون الجمعيات الحالي، وأرى ضرورة إلغائه».

 كما أكدت أن ضمان حقوق المواطنين جميعاً، بإنشاء الجمعيات المدنية والعمل فيها يرتبط بمستوى الحريات العامة المتوفّرة في البلاد، فلا يمكن الحديث عن هذه الحقوق دون ضمان الحق الأولي بحرية المشاركة في الشأن العام وحرية التعبير والتنظيم.. وأضافت: (كما أن هذه الحقوق يجب أن تكون مكفولة للمواطنين جميعاً بموجب الدستور في نص صريح على التزام الدولة بتأمين البيئة القانونية المساندة لحرية تشكيل وعمل الجمعيات غير الحكومية).

في الختام فإن القدرة على إحداث تغيير نوعي في عمل الجمعيات لصالح المجتمع برمته يقتضي خلق بيئة للحوار تدعم الديمقراطية وتضمن الشراكة الحقيقية بين القطاعات الحكومية والجمعيات، وخاصة أنه بات مطلوباً منها اليوم مواكبة مختلف التحولات التنموية والديمقراطية والعمل على قيادتها وألا تبقى حبيسة المنابر التي تصرفها عن العمل الميداني مع المواطنين.

العدد 1105 - 01/5/2024