التصعيد التركي.. إلى أين؟

السباق الجاري بين إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وبين طبول الحرب التي تقرع في غير مكان، أخذ يعنف ويشتد. لم يحن الأوان بعد لتقييم نتائج زيارات ولقاءات المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، لسبب بسيط هو أن هذا الرجل لم يكوّن أفكاره وخطته واقتراحاته حتى اللحظة، بانتظار استكمال مشاوراته الدولية والإقليمية.. لكن (العثمانية) الجديدة تبدو في عجلة من أمرها لاستباق الجهود السياسية بتحقيق مكاسب على الأرض تسمح لموقفها أن يكون أقوى أثناء المفاوضات القادمة. فقد وصل التوتر التركي – السوري إلى مراحل متقدمة، بعد حادث قصف إحدى القرى التركية الذي أحاطت به الشكوك من كل جانب، وتبعه قصف لمواقع سورية عدة على الشريط الحدودي، بهدف جرّ سورية إلى الرد وإشعال هذا الشريط، ثم أعقبه حشد كبير من الدبابات ترافق مع تهديدات واستفزازات متعددة الأشكال، منها رفع مستوى دعم المعارضة السورية الخارجية وزيادة أعداد المسلحين المتسللين إلى سورية، والتصريح علناً بمواصلة الجهود التركية لإقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي فوق الأراضي السورية.

بالطبع لم يخف على أحد الجانب الاستعراضي في تصرفات حكام تركيا، والتضخيم والتهويل الذي يراد منه إعطاء الانطباع أن قدرات تركيا الداخلية، والمناخ الإقليمي والدولي، يسمح لها بتحويل هذه التهديدات والمواقف إلى واقع عملي.

فليس خافياً على أحد أن الرأي العام التركي في أشد حالات الغضب والاستنكار لسياسة حكومته تجاه سورية، التي عزلت تركيا عن محيطها الإقليمي، وسببّت لها خسائر اقتصادية كبيرة، وهددت بإشعال حريق كبير في المنطقة لن يكون في صالحها. فضلاً عن أن هذه السياسة تبدو كأنها تعزف عزفاً منفرداً على النطاقين الإقليمي والدولي.. إذ إن أوربا تتنصل دولة إثر أخرى من تبني سياسات كهذه في المرحلة الحالية. أما الولايات المتحدة الغارقة في خضم انتخاباتها الرئاسية، فلا تبدو أنها معنية الآن بتفجير المنطقة، وهي تناور وتدعو إلى ضبط النفس والتروي من ناحية، وتدعم سراً أو بشكل مخادع السلوك التركي من ناحية أخرى.

إن احتمال أن تكون هذه التهديدات مجرد لهجة دعائية وإعلامية هدفها الأساسي إخافة سورية، هو احتمال قائم، ولكن الاحتمال الآخر وهو ارتكاب حماقة كبرى بإشعال الحدود السورية- التركية، وفرض ما يسمى بـ(المنطقة العازلة) هو أيضاً احتمال قائم له من المستندات والظروف ما يدعم إمكانية تطبيقه.

وفي جميع الأحوال، فإن السياسة السورية حيال هذا الموضوع، تتسم بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، ولكنها في الوقت نفسه لن تفرط بسيادتها على أرضها، وصد أي عدوان مباشر أو غير مباشر عليها. والمثال الواضح على ذلك هو موافقة سورية على الاقتراح الروسي بتشكيل لجنة فنية مشتركة سورية – تركية لمعالجة الوضع على الحدود بين البلدين وضبطه والحيلولة دون تحوله إلى مصدر من مصادر الحرب بين البلدين.

منذ أكثر من عام وحكومة أردوغان تسعى إلى فرض إرادتها الاستعمارية على سورية دون جدوى، وقد آن لها أن تدرك أن أحلامها الإمبراطورية ليس لها أساس واقعي.. فالعالم تغير، واندثرت الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، والشعب السوري الذي جرحته السياسة التركية جروحاً بالغة، قادر على الدفاع عن وطنه وإلحاق الهزيمة بالمعتدين.

العدد 1105 - 01/5/2024