الحمم السياسية

 ازدادت التوترات السياسية على الحدود التركية السورية، بعد سقوط القذيفة التائهة، وربما سقطت بعدها قذيفة ثانية. وعلى أثر ذلك حشدت تركيا جيوشها وأسلحتها الثقيلة على الحدود، وكأن أبواق الحرب تعلن عن البدء بالهجوم. وكانت القذيفة المؤشر الأول للتحرش، بينما الهبوط القسري لطائرة الركاب السورية القادمة من موسكو، كان مؤشراً ثانياً لشراسة حكومة أردوغان في خرق القوانين الدولية. وهذه دلالات أو إشارات تقدم لوحة عما يجري في الوضع الداخلي التركي. ومن أبرز علامات أزمته الداخلية:

1 – ازدياد نشاط المعارضة، وارتفاع وتيرة الاحتجاجات الجماهيرية لحزب الشعب التركي وللقوى اليسارية.

2 – التظاهرات الجماهيرية الكبيرة في لواء إسكندرون، والمطالبة بحقوق المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين.

3 – القلق من دور حزب العمال الكردستاني، والمواجهات المستمرة بينه وبين الجيش التركي.

4 – التحول الكبير للرأي العام في المنطقة، ومعارضته لسياسة التحالف التركي السعودي القطري.

5 – عداء الشعب التركي للتحالف الأمريكي الأوربي.

ومن الحمم السياسية ما تقذفه براكين الاتحاد الأوربي الذي لم يعد في جدول سياسته، سوى سورية، واتخاذ قرارات الحصار الاقتصادي على المؤسسات والأفراد السوريين، واقتصرت اجتماعاته على التهديد والوعيد، والعمل الدؤوب على اتباع سياسة تجويع الشعب السوري، وتزويد الإرهابيين بالسلاح وتدريبهم في معسكرات تركية.

إن تصدير الأزمات على المستويين الإقليمي والدولي إلى المنطقة، والضخ الإعلامي ضد سورية والشعب السوري من الشاشات السوداء، أصبح مكشوفاً للشعوب العربية، التي فتحت عيونها على صفحات مشرقة في التاريخ العربي المعاصر، وأملت خيراً بأن المستقبل (الياسميني أو الربيع العربي) سيحول الصحراء إلى مزارع خضراء.. لكن ما يجري قد غيَّر الرؤية التفاؤلية، لأن الصراع ازداد شدة بين الرجعية الإخوانية والفكر السلفي من جهة، والقوى الشعبية الوطنية واليسارية والديمقراطية المناهضة لها، وما يجري الآن في ساحات تونس وميدان التحرير في مصر يبيّن اتساع الفجوة بين بريق الوعود ومطالب المواطنين من جهة ثانية.

السؤال اليومي المطروح في الشارع السياسي الجماهيري:

ما النتائج التي تحققت بعد ثلاثة لقاءات لقوى المعارضة الوطنية، ولتحالف أحزاب الجبهة والقوى الوطنية والتقدمية؟ لقد توفرت الأجواء السياسية لإنضاج الحوار الوطني. وهناك- رغم بعض الإشكاليات الخلافية- إجماع على الحل السياسي المرتكز على رفض الطائفية والعنف والعنف المضاد والتدخل الخارجي، وتنفيذ وثيقة جنيف، وعلى متابعة خطة عنان بتكليف الأخضر الإبراهيمي، الذي لا يزال يقوم بزيارات إلى العواصم الإقليمية والأوربية التي لها تأثير في الأزمة السورية، كي يكوّن صورة متكاملة عن المواقف السياسية والميدانية. وهو يدرك تماماً أن العقبة الرئيسة في تغليب القتال والعنف على الحل السياسي، هو في استمرار الثلاثي (تركيا والسعودية وقطر) في دعم وتغذية الجماعات المسلحة والإرهابية بالمال والسلاح والتدريب وأجهزة الاتصال المتطورة.

العدد 1105 - 01/5/2024