«العام» حلمٌ… و«الخاص» علمٌ

الشباب هم أساس كل مجتمع، لقدرتهم على العطاء لما يمتلكونه من طاقات كبيرة تبني المجتمعات وتنهض بها بمختلف القطاعات المنتجة، سواء في القطاع العام أم الخاص، وذلك عن طريق فرص العمل التي يوفرها المجتمع لأبنائه، فبها يستطيعون أن يوظفوا طاقاتهم وإمكاناتهم ضمن مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أغلب الشباب يقفون حائرين أمام سؤال: أيهما أفضل: العمل في القطاع الخاص أم العام؟ وأي القطاعين يضمن الأمان والمستقبل والاستقرار الوظيفي؟ وأي القطاعين يساعد في التقدم والتطور؟ تساؤلات كثيرة تدور في الأذهان عند قرار دخول سوق العمل، قرار يقفون فيه عند تساؤل آخر: هل سأحظى بفرصة عمل دون (واسطة)؟

استطلعت (النور) آراء مجموعة من الشباب-ات فتباينت آراؤهم بين هذا القطاع أو ذاك. فالإعلامية لمى حلاوة أشارت إلى أن القطاع الخاص لا يقدم للموظف حقوقه كاملة ويطالبه بالمقابل بكامل واجباته. فمثلاً أغلب الشركات الخاصة لا تسجل موظفيها بالتأمينات الاجتماعية، ولا تقدم لهم تأميناً صحياً أسوة بالقطاع العام. أيضاً الموظف في القطاع الخاص لا يحصل على أي زيادة في الراتب مهما طالت سنوات خدمته في المؤسسة التي يعمل فيها، على الرغم من وجود نصوص واضحة في قانون العمل الساري تؤكد الزيادة الدورية، حتى إن المراسيم الرئاسية بالزيادة لا تشملهم أيضاً. ومن ناحية أخرى فالحصول على إجازة في القطاع الخاص ليست بالسهولة التي يتمتع بها القطاع الحكومي.

وأضافت أن العقود هي من أهم الأشياء بالنسبة للموظف، ولكن مع الأسف معظم القطاع الخاص لا يرتبط بعقد مع موظفيه.. الأمر الذي يجرد الموظف من الشعور بالأمان، إذ قد يستغني عنه في أي لحظة. أضف إلى ذلك أن بعض المؤسسات والشركات الخاصة تجبر موظفيها على توقيع استقالتهم منذ بدء العمل، وبالتالي يستخدمها رب العمل متى شاء.

وهو ما أكده فراس الأحمد، ولكنه أشار إلى أن الوظيفة في القطاع العام أمست حلماً في ظلِّ انعدام الخطط الحكومية المدروسة لخلق فرص جديدة تستوعب القادمين الجدد إلى سوق العمل، حتى تحولت فرصة العمل إلى حلم يؤرق مضجع شاباتنا وشبابنا وسط تضاعف معدلات البطالة والفقر، التي كانت من الأسباب الرئيسة في للحراك الشعبي الذي تعيشه سورية حالياً. وتساءل ما حال المسابقات العديدة التي أقامتها الدولة وألغيت أو أوقفت فيما بعد؟ الأمر الذي كلف المتقدمين إليها مبالغ سواء في الأوراق الثبوتية أو السفر لبعضهم.

وتابع الأحمد مشيراً إلى أن الأمان والاستمرارية في العمل التي يقدمها القطاع العام لم يعد يقارن بآفاق التطور الشخصي والمادي الذي يفتحها القطاع الخاص. وقال: (إذا كانت عوامل الأمان والاستمرارية تؤخذ بالحسبان بنسبة 50% اليوم، فهي تتناقص تدريجياً مقابل عوامل التطور المهني وتحقيق مستوى أعلى فكرياً ومادياً، خاصة أن الشركات الخاصة توفر جواً من الاحترام والتقدير للإمكانات المتميزة ولأصحاب الخبرات والكفاءات. ويكون الراتب بقدر الخبرة والإنتاج لا حسب المحسوبية والواسطة). وهو ما اختلفت معه فيه صفاء (موظفة حكومية) وقالت: (إن هم شباب اليوم إيجاد فرصة عمل تكفل لهم حياة مستقرة، فهم حالياً (يفكرون برفع مستواهم العلمي وتطوير مهاراتهم الشخصية والوظيفية).

أما السيد وسام (40عاماً) فقد تحدث عن تجربته قائلاً: (بعد أن قضيت نحو عشر سنوات من العمل في القطاع العام لم يحدث أن أكمل راتبي مشواره برفقتي إلى نهاية الشهر، كما أني لم أستقر مادياً إلا بعد أن تحولت إلى العمل الخاص). فالعمل الحكومي لا يلبي الطموحات لا من حيث الرواتب المنخفضة،  ولا من حيث القوانين التي تحكمه والتي تحد من الإبداع والتميز. وفيما يتعلق بالراتب التقاعدي قال: (اسألوا المتقاعدين كم تساوي القيمة النقدية لرواتبهم بعد عدة سنوات من تقاعدهم، سيقولون صفراً، خاصة أن رواتب بعضهم لا تتجاوز الحد الأدنى).

وعن ضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص قالت الآنسة هديل عقيل: إنه من الصعوبة بمكان ضمان حقوقهم إلا إذ فُعّلت  القوانين الناظمة، ومورست الرقابة على أرباب العمل. فالأساليب التي يتبعها القطاع الخاص للتهرب من تسجيل عماله معروفة، وهي متبعة منذ عقود. فنحن بحاجة إما لإرغامهم أو ترغيبهم في تسجيل موظفيهم في التأمينات الاجتماعية، وبهذا نكفل الحقوق الضائعة للعاملين في القطاع الخاص، مع تأكيد القضاء على السماسرة والمتعاونين مع أرباب العمل من داخل التأمينات الاجتماعية.

وعن أسباب ضعف الثقافة التأمينية ومعرفة قوانين العمل قالت الكاتبة إيمان ونوس: (أعتقد أننا جميعاً لا نمتلك الثقافة القانونية بمجمل القوانين، وهذا راجع إلى جهل العاملين بحقوقهم، وكذلك تراخي المؤسسات والوزارات التي لا تعمل على تثقيف أولئك العمال بحقوقهم أو واجباتهم، والتي هي بالمحصلة حقوقٌ للدولة أو لأصحاب العمل).

وفي خطوة لتعريف الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص بالقوانين والأنظمة اقترحت الآنسة عُلا بدران أن تقوم الجهات المعنية بإجراء دورات دائمة تطلع فيها الموظفين والعمال على الأنظمة والقوانين المرعية وتعرفهم بحقوقهم وواجباتهم.

لكل من العام والخاص إيجابياته وسلبياته، ولكنهما بحاجة إلى تطوير النظم والقوانين السارية وتطوير أساليب أداء كل منهما، خاصة أن القطاع العام يعجز عن استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، فبات من الضروري تنظيم القطاع الخاص لضمان مستقبل آمن لشبابنا، إضافة إلى تطوير القطاع العام ليكون مكاناً مناسباً للإبداع وتطوير الكفاءات والخبرات.

العدد 1105 - 01/5/2024