بمناسبة إعلانها عاصمة للثقافة العربية 2013 بغداد تقوم من تحت الرماد لتحتفي بـ1248 عاماً من تاريخها العريق

منذ العام 1996 تحتفي الدول العربية بإحدى عواصمها عاصمة للثقافة العربية، وذلك إثر اقتراح للمجموعة العربية في المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بدء تطبيق فكرة (عاصمة الثقافة العربية). وقد كان هدف المجموعة العربية في المنظمة الدولية من هذه الفكرة إظهار الإمكانات الحضارية للمدينة المعنية ودروها التاريخي والمعاصر في الإبداع الثقافي والحضاري، وقد اختيرت بغداد عاصمة للثقافة العربية في العام 2013.

ومنذ بدايات هذا العام بدأت وزارة الثقافة العراقية والمجلس الأعلى للثقافة وأمانة بغداد وعدد من الوزارات والمؤسسات المعنية التحضيرات للاحتفاء ببغداد عاصمة الثقافة العربية للعام الحالي، ووفقاً لتصريحات أدلى بها السيد حكيم عبد الزهرة مدير عام دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، فإن اللجنة التحضيرية للاحتفالية صادقت على عدد من المشاريع المقترحة للاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية، منها:

(تأهيل الدور التراثية والمتاحف والمكتبات العامة، وإنشاء مدينة بغداد الثقافية التي تشمل منطقة القشلة وشارعَيْ المتنبي والرشيد، وبضمن ذلك تأهيل المدرسة المستنصرية ومتحف التراث الشعبي وإعادة صيانة بيوت بغداد التراثية، وكذلك تأهيل وصيانة البنى التحتية للمسارح ودور السينما والمعارض الفنية، وتأهيل مقرّات نقابات الفنانين والصحفيين والمعلمين واتحاد الأدباء والكتاب).

ويأتي الاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية، إثر الانتهاء في أواخر العام الماضي من الاحتفال بذكرى تأسيس المدينة قبل 1248 عاماً، سنة قيام الدولة العباسية عام (750م/132ه)،  وانتقال إدارة الدولة الإسلامية إلى العراق من دمشق، دون أن تنسى المصائب والويلات التي مرت عليها.. ولأن إرادة النخب الثقافية والفكرية والعلمية العراقية أقوى من قوات الاحتلال (الأنجلوسكسوني) المدججة بأعتى الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، أكد العراقيون أن (بغدادهم) التي بناها العباسيون، والتي كانت عاصمة الحضارة والثقافة والعلم والترجمة عن مختلف الحضارات السابقة مذ أسس الخليفة المأمون (بيت الحكمة) عام (830م)، ستقوم من تحت الرماد مرة أخرى لإعادة الحياة إلى كل الصروح والمعالم التراثية والحضارية والفكرية التي نهبها ودمرها تتار العصر الحديث، ليُلقي التاريخ والسياسة مرة أخرى على عاتق العراقيين مسؤولية إعادة إعمار بلدهم وتوثيق تاريخهم العريق.

وتعدّ بغداد من كبرى المدن العربية وأعرقها، يعود إنشاؤها إلى عهد أبي جعفر المنصور (ثاني خليفة عباسي). إذ بناها على موقع قرية كانت تعرف باسم (بجدادا) زمن أيام (الملك حمورابي) – صاحب مسلة القوانين البابلية الشهيرة، وسماها (مدينة السلام) تيمناً بالجنة، (من عام 762 إلى عام 764م)، في العقد السادس من القرن الثامن الميلادي الموافق للقرن (الثاني الهجري).

وقد جاء بناء المدينة على شكل دائري. وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن معظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة ك(الفسطاط)، أو مربعة ك(القاهرة)، أو بيضاوية ك(صنعاء). ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها.

ويعدّ تخطيط المدينة المدورة (بغداد)، ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي، ولاسيما في المدن الأخرى التي شيّدها العباسيون مثل مدينة (سامراء) وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة. وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنها لغة الفن الإسلامي، والقائمة على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح.

 

أسماء المدينة ومعناها

من أسماء (بغداد): (المدينة المدورة، ودار السلام، والزوراء، ومدينة المنصور، ومدينة الخلفاء). وتذكر المصادر التاريخية أن اسم (بجدادا) ورد في لوح يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد أيام (حمورابي). وورد اسم (بغدادي) في لوح آخر يعود تاريخه إلى الأعوام (1341 -1316 ق م). وفي لوح آخر يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد ورد اسم بجدادو). وورد في وثيقة تاريخية يرقى عهدها إلى العام (728 ق م) إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 – 727 ق. م) اسم (بغدادو).

وتجمع تلك المصادر على أن اسم القرية الأصلية التي بنيت فوقها (مدينة المنصور) هو (بغداذ) و(بغدان) أو تبدل الباء ميماً فيصير الاسم (مغداد) أو (مغدان). وهذه الأسماء كلها ممنوعة من الصرف ولكنها تقبل التذكير والتأنيث، فتقول (هذا بغداد) و(هذه بغداد). ويشتق منها الفعل (تبغدد) أو (تبغدن) بمعنى سكن بغداد أو تشبّه بأهلها.

وقد ذكرها أبو الفضل بديع الزمان الهمداني (968ه – 1007م) اسم (بغداد) في اثنتين من مقاماته الخمس والعشرين، فقد قال في (المقامة الأزاذية)؛ (اشتهيت الأزاذ وأنا في بغداذ)، وكنت (ببغداذ وقت الأزاذ).

وسماها بانيها أبو جعفر المنصور (مدينة السلام)، وهو الاسم الرسمي الذي ظهر في وثائق الدواوين العباسية وعلى النقود والأوزان. ولكن الاسم القديم (بغداد) هو الذي ظل عالقاً في أذهان الناس ويتردد على ألسنتهم. فاحتفظت المدينة بذلك الاسم حتى يومنا هذا.

واسم (بغداد) في لغة أهل بابل القدماء مكوّن من قسمين: أوله (باغ) يعني (البستان) أو (الجنينة)، أما جزء اسمها الثاني (داد) فيعني الحبيب، فيصبح معنى بغداد هو (جنينة الحبيب).

ومن أكثر التفسيرات شيوعاً للتسمية أيضاً، هو القائل إن (باغ) تعني بستان بالفارسية و(داد) تعني عطية، فيكون معنى الاسم (البستان العطية)، أو (باغ) اسم صنم أو شيطان و(داد) عطية أو هبة فيكون المعنى (عطية الصنم). وقد قرب بعض المعاصرين المعنى فقال أنها تعني (هبة الله).

العدد 1105 - 01/5/2024