حزب الشاي

برز في الآونة الأخيرة، في سياق تعذر إقرار الموازنة الأمريكية، دور ما يسمى (حزب الشاي)، فما هي حقيقة هذا الحزب؟

هي حركة، يرغب البعض بتسميتها حزباً، اشتهرت في عام 2009 عندما نظم عدد من النواب البرلمانيين المحسوبين على الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري (حفلات شاي) للاعتراض على سياسة الدولة فيما يخص استخدام الضرائب للإنفاق على البرامج الاجتماعية. ومصطلح حفل الشاي (رمزاً تاريخياً)، يشير إلى تمرد المستعمرات الأمريكية التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني عام 1773 ضد ضرائب إضافية فرضها الإنكليز على الشاي، فقاموا بالاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية في ميناء بوسطن، ورموا صناديق الشاي في المياه، وأشعلوا بذلك الثورة الأمريكية، أو حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني.

هذا التجمع أو الحزب أو الحركة يبنى على ثلاث قواعد، هي:

1- رفض الأفكار التقدمية الاجتماعية (الليبرالية اليسارية).

2- غضب من المؤسسة السياسية، خاصة الجمهوريين إذ يرون أنهم خذلوهم.

3- رفض لسياسات الكونغرس الاقتصادية فيما يتعلق بقانون (الانتعاش الاقتصادي) و(خطة الإسكان)، ومعارضة خاصة لمشروع الرعاية الطبية الذي يحاول الديمقراطيون تمريره.

وعلى رغم أن منظريهم حاولوا وضع ضوابط لهذه الحركة، فقد أصدر الباحثان في العلوم السياسية تيدا سكوكيول وزميله فانيسا وبليامسون، دراسة للشخصية التي تحضر حفلات الشاي، وهي: أبيض، أنجلو ساكسوني، بروتستانتي، من ذوي الثراء الفاحش، وفي الخمسين من العمر، ويمتلك عقلية رأسمالية وثقافية ليست موجودة عند كثير من الأمريكيين.. إلا أنه ما بين عام 2009 و2001 انضم كثير من أبناء الطبقة الوسطى لحفلات الشاي، وأسست أكثر من ألف منظمة تحمل الأفكار نفسها، وتتلخص مطالبهم ب:

1- تعديل نظام التأمين الصحي وتقليص عجز الموازنة.

2- محاربة الفساد في صفوف النخبة الحاكمة في واشنطن.

3- خفض الضرائب وحجم الإنفاق العام، وانتهاج سياسة خارجية أكثر ميلاً للعزلة عن المجتمع الدولي.

ومن أيديولوجيتهم مواجهة ما يعدونه إصلاحات اشتراكية لأوباما في المجال الصحي والاقتصادي، وحماية المنتج الأمريكي من المستورد، وهم يؤيدون إسرائيل تأييداً مطلقاً، ويناهضون التقارب مع العالم الإسلامي.. حتى إن أوباما وصف تصلب (حزب الشاي) في مواقفه ب(حرب صليبية أيديولوجية)، لأنها، في حال عدم إقرار موازنة 2014 ورفع سقف الدين، ستؤدي فعلاً إلى إغلاق الدولة الفيدرالية، ولا نشك بقدرة الولايات المتحدة على خدمة ديونها الآن، ولكن ماذا سيكون شأن السنوات القادمة؟

كما أن هذه الحركة حققت فوزاً معنوياً بنيلها مقعد ماساشوسيتسي في مجلس الشيوخ، بإنجاحها الجمهوري سكوت براون، خلفاً للديمقراطي إدوار كينيدي في معقل الديمقراطيين. وعلى رغم أن حزب الشاي تجديد لفكر المحافظين الجدد لكن بشكل شعبي، نجد سياسيين من الحزبين ينجذبون لهذا الحزب تجنباً لتهديد مواقعهم. وأصبح يشكل تهديداً جدياً للحزبين ويحاول التمايز عنها، وفي أقل تقدير سيصبح بيضة القبان في الكونغرس، وبدأ الساسة والمفكرون الأمريكيون يدرسون هذه الظاهرة، فمنهم من يقلل من شأن هذا الحزب لعدم وجود قيادة سياسية معروفة، وأنه بلا منهج سياسي واضح المعالم، ومنهم من يعتقد بأن الحركات السياسية التي تعتمد القواعد الشعبية تأتي وتذهب، ومنهم من يعتقد أن هذه الظاهرة سيكون لها تأثيراتها مستقبلاً على صنع القرار السياسي، لأن أنصارها يجيدون حشد الجماهير والتأثير عليهم، ويطرحون شعارات إنقاذ الولايات المتحدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي (الأمة الأمريكية تسير نحو الكارثة)، خاصة أن الانتخابات النصفية أواخر عام ،2014 وسيتم انتخاب 435 نائباً وسيناتوراً في مجلسي النواب والشيوخ.

البرلمان الأمريكي- الكونغرس، ينقسم إلى مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، وتطلق كلمة سيناتور على عضو مجلس الشيوخ، ويعاد انتخاب ثلثي الأعضاء في كلا المجلسين كل عامين. وهم يعملون لإيصال 239 عضواً إلى مجلس النواب من أصل ،435 ومؤسسو هذا الحزب لهم مؤسسات فاعلة وصحف ومجلات شهيرة ومراكز أبحاث ومعاهد تجسد أفكارهم، أبرزها: (مؤسسة التراث- هيرتدج، معهد هدسون، مشروع القرن الأمريكي الجديد، مجلة ناشيونال ريغيو ويكلي ستاندر)، إضافة إلى وسائل الإعلام وكتاب معروفين مثل ماكس باوت وروبرت كاغان وغيرهم. وفي المقابل ظهر ما يسمى (حزب القهوة) الذي تشكل في عام ،2010 ويعلن بأنه (تنظيم اجتماعي) أقرب للديمقراطيين، وغير محازب، ويسعى للجم التمدد اليميني المحافظ المتطرف، ويتهم البعض الديمقراطيين بتشكيله، ولكنه يقل كثيراً بنفوذه وقوته عن حزب الشاي. وهذان الحزبان يذكراننا بتجمع مصدّري الهيل والقهوة في نيكاراغوا، ولهذا التجمع نفوذ واسع على الحكومة، واستطاع مثلاً إلغاء قرار نقل سفارة دولتهم من تل أبيب إلى القدس، لأن الدول العربية من أكبر مستوردي الهيل والقهوة من نيكاراغوا.

العدد 1105 - 01/5/2024