فخر الصناعة الوطنية أم فخر الوطن؟

انتشرت في السنوات الثلاث الأخيرة ظاهرة حمل العلم السوري أو تعليقه داخل السيارات الفخمة أو على شرفات المنازل، أو ارتدائه على شكل إكسسوارات: منها قلادة للصدر أو إسوارٌ للمعصم وربما حلق في أذن فتاة، إلى أن انتهى علم بلادنا ذو العيون الخضر إلى أن يُصبح ذيلاً لطرحة عروس أو غلافاً لحلوى عرسها، تلتقط واحدة منها لتأكل الحلوى وترمي بالغلاف.

كل هذا ولم تزل (الإبداعات) جارية وقائمة على قدم وساق تعبيراً عن المحبة والتفاني والتضحية في سبيل الوطن والفناء في سبيل الحفاظ عليه وعلى علمه من أمثال هؤلاء.

وكل اختراع من هذه الاختراعات له مقابل مادي وله ثمن يُدفع، لكن ليس في سبيل تحسين الإنتاج الوطني ولا في سبيل النهوض بالاقتصاد، بل فقط في سبيل ترويج بضاعة، لها وقتها اليوم، واستغلها تجار حروب لا همّ لهم سوى الربح المطلق والمصلحة الشخصية، وانتهاز كل الفرص المتاحة لزيادة رأسمالهم ولو على حساب وطنهم وشعبهم واقتصاد هذا الوطن…….

أما مستهلكو تلك البضاعة فهم اسم على مسمىّ: مستهلكون فقط لاغير… إضافة إلى كلمة تناسبهم وتلتصق بهم أكثر، وهي صفتهم الغالبة عليهم: الُمراءون.

 فالوطن ليس علماً نحمله وندور به، وليس كلاماً مرسلاً ولا قلادة ولا شعارات، الوطن عمل وفعل وأرض نحميها بتصرفاتنا، إضافة إلى سواعدنا، وبعقولنا إضافة إلى قلوبنا، الوطن اقتصاد وليس فقط سياسة، وهو مجتمع وعائلة وحياة وليس أفراداً، وحبنا للوطن يعني:

أن نحمي اقتصاده، أن ندعم صناعاته، أن نشجع على سياحته، أن نصوره جميلاً، أن نعرّف على شعبه بطريقة حضارية، أن نسعى لتطويره بأساليب راقية. وهذا عكس ما يفعله من يدّعون عشقه والهيام به.

أين هم من حماية الاقتصاد الوطني ودعم الصناعة الوطنية، وهم السباقون إلى التباهي بشراء كل ما يحتاجونه من مأكل وملبس وغيره من الأنواع الأجنبية الفاخرة ذات الماركات العالمية؟

فكثير من هؤلاء المدّعين لا يُلبس ابنه من سوق الحميدية أو من سوق شعبي للصناعة الوطنية أو من ماركة وطنية، فهل يقبل واحد من هؤلاء (الأبطال – القشور)، أن يتمثل ابنه بطفل سوري يلبس صناعة سورية تشجع على الاقتصاد الوطني وتدعم الليرة السورية؟

هل يأكل هؤلاء في مطاعم شعبية أكلات شعبية مصنوعة محلياً؟ أم لهم اماكنهم ومطاعمهم الخاصة المرخصة من ماركات عالمية، أغلبها يوجد في مولات ضخمة تابعة لتجار سوريين يزايدون عليك أكثر من غيرهم بالحب والوطنية، لكنهم لا يتوانون عن سرقة ونهب اقتصاد البلد والإسهام بانهيار العملة السورية وتهريب الأموال إلى الخارج، وأغلب هؤلاء، إن عدت لمصدر أموالهم، تجدها بمجملها عبارة عن تبييض للأموال وغسيل لها؟

أما قمة العبادة والغرام بالبلد فتتجلى في موتهم بسبيل البقاء فيها مهما حصل، وهذا يبرز لدى هؤلاء بأبهى حالته باصطفافهم صفوفاً وطوابير أمام سفارات الدول المتآمرة  حسب نظريتهم  وسفارات الدول الأجنبية يلهثون للحصول على تأشيرة خروج اليوم قبل غد، ليرحلوا أو يهاجروا إلى غير عودة، نظراً للظروف الصعبة وحالة الحرب التي يعيشونها هنا، رغم أن قلبهم ينفطر على معاناة شعبهم وحاله وعلى بلدهم وحالها، وعلى الإنسان السوري الذي بحاجة للمساعدة والدعم، ورغم رؤيتهم الأطفال السوريين يعانون وأنهم بحاجة ماسة لمن يبقى يمد لهم يد العون والمساعدة النفسية والصحية والاجتماعية، ويدير لهم أمورهم التعليمية تحديداً ويساعدهم على إكمال علمهم وتعليمهم،وتأمين كافة الاحتياجات اللازمة لذلك،

أين هؤلاء من الوطنية؟ إنهم ليسوا سوى مجموعة انتهازيين بعيدين كل البعد عن مايُسمى (وطن) فهم لا يفهمون منه سوى المصلحة وكلمة الأنا، وانتهى، يتزينون بالعلم ليتزيفوا لا أكثر، ولا يدرون أن المزيف لا يزينه شيء بل يزيد زيفه زيفاً.

لو كان الوطن يهمهم في ناحية واحدة عدا أنفسهم، لفهموا معنى المواطنة والمشاركة الوطنية والهموم المشتركة، وقدروا معنى حماية الاقتصاد الوطني، وعملوا على مكافحة البطالة وتشجيع الصناعة الوطنية والحفاظ على العملة الوطنية، واحترموا بالنهاية علم بلادهم الذي ليس قماشاً وانتهى، بل هو، بألوانه ورموزه، أكبر بكثير منهم ومن تفاهاتهم، وهذا ما يجب أن يهتم به القانون ويعاقب عليه، لكن للأسف ما زال البعد كبيراً بين الواقع والقانون.

 

العدد 1107 - 22/5/2024